تناولنا منذ فترة ليست بالبعيدة موضوعا عن تأصيل الأخلاق في سلسلة من خمس حلقات, حيث خلصنا إلي أن البناء القيمي لأي مجتمع هو الضامن الحقيقي لرسوخه بل و استمراريته فيما يقدمه للبشرية من إنجازات. و كان الشاهد علي حديثنا ما ذكرناه في أدبيات الحضارة المصرية القديمة التي لا نزال نتيه بها فخرا, في عالم لا يري من إنجاز إلا ما تحت قدميه من مدنية و تقدم و ليس التحضر بمفهومه الشمولي. بيد أن ما جال بخاطري ليصبح عنوانا لمقال اليوم يكمن في نماذج لو تمثلناها لأضحت حياتنا أكثر يسرا, و لجعلنا من( لو) مغلاقا لباب الشيطان من خلال أمثلة صدرناها بسؤال يحمل خليطا من مشاعر الأمل و الاستنكار و الألم. فماذا لو احترم كل مسئول عقلية المواطن حيث المصارحة سبيله للتعامل بدلا من المداراة و قلب الحقائق!؟ و ماذا لو تم الإعلاء من ثقافة حق الجميع في المستحق لهم بعيدا عن فكر الاستثناءات المقيت؟! و ماذا لو أعدنا النظر في كم الاجازات الرسمية التي نحصل عليها استقطاعا من زمن العمل و الإنتاج, أملا في تغير فلسفة العمل القائمة علي مبدأ علي( علي قد فلوسهم)؟!! و ماذا لو التزم الفرد منا بأبسط قواعد المرور الممثلة في الإشارات أو الركنات التي لا تعتدي علي مساحات مهدرة هي من حق الغير!؟.. و ماذا لو كان قد التزم كل مالك ببناء جراج أسفل العقار بدلا من اللهاث لدفع الغرامة لكون العائد من استغلال الأرضي لا تقارن. فبقليل من العقل يمكننا أن نتصور حالة شوارعنا لو لم تصبح جميعها جراجات مفتوحة للسيارات!!.. و ماذا لو التزمت المدارس بحق تلاميذها في التعليم الحقيقي لا الشكلي, طالما تفي مراكز الدروس الخصوصية بما لم تستطعه المدرسة؟! وماذا لو التزمت القطاعات الخدمية بحق المواطن فيما تقدمه, لا منا أو بمقابل تقرره مجموعة العمل, لتتم القسمة الضيزي يوميا علي مرأي ومسمع من الجميع بلا حسيب أو رقيب؟! و ماذا لو راجعت كل الفصائل السياسية مواقفها وفق معيار لا اختلاف عليه اسمه المصلحة العليا للوطن, بدلا من كم الملاسنات والمشاحنات التي تعلي من المصلحة الشخصية علي نظيرتها العامة؟ وماذا لو قدم الإعلام نماذج لمثل عليا أو موضوعات ذات طابع بناء, بدلا من اسلوب الإثارة الجاذب للإعلان لتصبح قيمة الرسالة في خلفية المشهد؟! و ماذا لو انبنت فكرة التشريع علي عائدها المجتمعي لا علي مساحتها الفئوية أو الرسمية, بما يقلص من الدور الفعلي لمؤسسات التشريع و ينال من صدقيتها؟!! و ماذا لو باتت الاستقالة من مفردات ثقافة العمل العام بدلا من التعلق بأهدابه حتي الرمق الأخير؟! و ماذا لو صارت لدينا مفاهيم حكومة الظل و محاسبة المسئول و معايير الانتقاء الواضحة و التأكيد علي تكافؤ الفرص؟! و ماذا لو أعدنا النظر في كل التعيينات التي تمت من نافذة المحسوبية و عوامل الفساد و الإفساد لنعيد الحقوق لبعض أصحابها, من خلال التقييم الدوري لمنسوبي المؤسسات و تفعيل قيمة إعادة الحق الضائع أملا في فرز الكفاءات و تجنب الطالح منها؟! و ماذا لو.. و ماذا لو.. و ماذا لو..!! ففي حياة كل منا المئات من هذا التساؤل العبقري ماذا لو, شريطة أن ندرك جميعا أننا لم نكن بمنأي عنه بل كنا من أسبابه إما إسهاما أو صمتا. ليصبح مدخلنا جميعا في المبتدأ;( ماذا لو) لم نفعل, و قد فعلنا.. ليصبح تصحيح المسار هدفا للجميع, إذا أردنا أن نهتف حقا بحياة الوطن و حقنا في الحياة فيه.. ( إشراقات السعدي134): يتباكون علي ضعف الصف الثاني, رغم أنهم من اختار ومن يليهم من أصحاب مبدأ المقربما فيه.