في حديث الوطن; كثيرا ما تحضرني تلك القصة الخاصة بتنازع امرأتين علي بنوة طفل وكيف أن الأم الحقيقية رفضت حكم القاضي بتقسيمه بينهما حتي ولو كانت النتيجة حرمانها منه طالما ضمنت وجوده. وكنت دائما ما أحدث نفسي عن افتقاد كل فصائل المجتمع بعد يناير لحكمة تلك الأم علي بساطتها, وأتخيل لو تمثلها الجمع وحافظوا علي وحدة الوطن مؤثرينه علي أنفسهم, كيف كان يمكن تصور أوضاعنا الآن بدلا من أن يذهب كل حزب فرحا بما جني من ثوب الوطن الممزق. ومن ثم فقد ألح علي في عيد الأضحية مفهوم التضحية المتسامق, والذي باتت معزوفته جزءا أساسيا من وجدان الأمة عبر تاريخها الطويل, وإن كانت بقية حركات السيمفونية الوطنية لم تكتمل بما نسمعه يوميا عن تضحيات شهداء أبرار في كل موقع. يعيشون بحق حربا ضروسا بمواجهات متباينة لجحافل غير نظامية كتبت عليهم الشقوة أينما ثقفوا, وظنوا أن حصونهم أو خسة وسائلهم يمكن أن تنال من عقيدة التضحية أملا في أن يظل الوطن ضحية لأفاعيلهم التي تمثل تكرارا ممجوجا لجماعات عرفها التاريخ لم تسقط بإرهابها وطنا ولم تنل بترويعها مغنما. إنني منذ تعرضت المحروسة لوسائل النكران علي يد بعض أبنائها من يناير وما تلاه, وأنا أنادي بكوننا مدينين للوطن بصلاة اعتذار وابتهالات نرددها في محراب الوطنية الحقيقية, ليس بتمتمات ورد خاص أو بحلقات ذكر نستكمل بها ما تصورناه قربي للوطن وهو منها براء. بل بأعمال حقيقية تؤكد مفهوم التوبة بشموليته وبما يعلي من قيمة التضحية الحقيقية التي تجعلنا نردد مع الذبيح النداء السماوي السرمدي, عنوان الفداء والعطاء. ماذا لو حدث أنفسهم أولئك المنتفعون في كل عصر حيال كم ما جنوه بغير وجه حق, أو بحق قد فاق المستحق بما جنوه من عمولات ومكافآت بل ورواتب لا تتفق ومستوي الدخل العام في مصر. وماذا لو بعد حديث النفس ردوا للوطن ولو علي دفعات ما جنوه في تضحية من نوع خاص لم تشهده الوطنية المعاصرة إلا بشق الأنفس أو بأحكام القضاء. وماذا لو أخذت المجالس التشريعية ومثيلاتها الاستشارية واللجان التطوعية قرارا بالعمل دون تحمل الدولة أعباء اجتماعاتها, مضحين بمكتسبات المكانة ووجاهتها. وماذا لو اكتست وجوه التجار بمسحة من حمرة الخجل ليضحوا بالكثير من مكتسابتهم الاحتكارية منها والإغراقية, بعدما باتت مراقصهم نشازا علي أنات الجوعي والمشردين. وماذا لو انتهينا من قصة إعلانات الإعلام وعلاقاتها بالخصم الضريبي الذي يتحمله المواطن لمصلحة السيد المذيع وشركات الدعاية والمنتجين. ماذا لو وماذا لو شريطة ألا تفتح عمل الشيطان لتكمل التضحية بالوطن بدلا من أن تصبح مضرب الأمثال في التضحية للوطن. إنني لا أتحدث عن مدينة فاضلة بل أفتح بابا للتوبة طواعية نحو ما اقترفناه في حق هذا الوطن, بل و في حق دماء زكية لم تطلب منا جزاء ولا شكورا. وإن كان نداؤها من عالم الشهادة كفيلا بهز ضمائر القوم ووجدانهم إن كانت لا تزال موجودة ولم تغرق علي شواطئ المنتجعات أو في الجانب المستغرب من مصر الشقيقة.!! فهلا أضفنا لقاموس التضحية معني عمليا يؤكد أننا ما زلنا أبناء لهذا الوطن, أم نشيعها متقبلين العزاء في سرادق الجنسية المزدوجة. ؟؟! ( إشراقات السعدي133): لو اهتممنا بالأساس قبل الظواهر, مثلما يحدث في عالم التجميل.. لظهر أجمل ما في وجه الوطن.