مثلت التصريحات التي أطلقها الرئيس السوداني عمر البشير باتهام مصر بالتورط في الاشتباكات المسلحة التي دارت في دارفور, ذروة جديدة وغير مسبوقة في عملية التصعيد السوداني ضد مصر..هذا التصعيد الذي يتواصل منذ عدة شهور ينتقل من محطة الي اخري بشكل مخطط عبر حملات مستمرة تردد بشكل ببغائي الاكاذيب والفبركات التي يتم تلقيم الحملة بها لكي تتواصل وتتوغل. وقد شارك الرئيس السوداني في قيادة هذه الحملات السياسية الاعلامية وتوجيهها عبر التصريحات التي دأب علي إطلاقها في حواراته الإعلامية مؤخرا.. غير ان التصعيد هذه المرة تجاوز كل الاسقف وانتقل الي مرحلة جديدة غير مسبوقة.. ومن الوهلة الاولي بدا الاتهام الموجه الي مصر متعجلا ويفتقد الي أي ارضية صلبة, اذ تحدث البشير عن سيارات مدرعة مصرية لدي المتمردين وهذا امر لا يثبت شيئا محددا اذ يمكن الحصول علي هذه العربات من اي مصدر اخر غير مصر خاصة وان السلاح منتشر في هذه المناطق المفتوحة ويتم تداوله بطرق شتي.. وفي التفاصيل التي اتضحت بعد ذلك عبر تصريحات مستشار قوات الدعم السريع والتي عرضها الاعلام السوداني بكثافة تبين ان الاشتباكات التي وقعت في دارفور شاركت فيها64 عربة من القوات التي كانت قادمة من جهة الجنوب وان هناك حوالي90 عربة اخري شاركت في معركة وادي هور, أي بإجمالي يزيد عن150 عربة.. وبعد ذلك تمخض الجبل فولد فأرا حيث تبين ان هناك6 سيارات من النوع الذي يقال انه مستخدم لدي الجيش المصري.. أي أقل من1% من القوة المهاجمة.. والأدهي من ذلك ان نفس هذه التصريحات تؤكد ان هذه العملية ذات الاسم الكودي شد الذراعين كان يجري التخطيط لها منذ3 سنوات بالتنسيق بين قوات مني أركو مناوي وعبدالواحد نور.. فأين مصر من كل هذا ؟ يقودنا هذا الي التساؤل عن أسباب اندفاع البشير وتلهفه علي توجيه مثل هذا الاتهام إلي مصر.. يعود ذلك في الاغلب إلي التوتر الهائل الذي اعتراه عقب الاعلان الأمريكي بأنه شخص غير مرغوب في مشاركته في القمم التي انعقدت في الرياض, بسبب اتهامات المحكمة الجنائية التي تطارده اينما حل.. ومما زاد الطين بلة ان الرئيس السوداني كان قد ادلي بحديث إلي صحيفة قطرية قبيل القمة يؤكد فيه علي حضوره ومشاركته وأن هذه ستكون نقلة في علاقات السودان الخارجية.. ولكن ما حدث كان هو العكس, الامر الذي احبط ثورة التوقعات التي جري اطلاقها دون تبصر, واوضح ايضا الحدود التي يمكن ان يصل اليها الدعم الخليجي كثمن للمشاركة في الحرب البرية في اليمن.. كما جاءت الاشتباكات العنيفة في دارفور لتقضي علي ما كان يتم الترويج له حول الحوار الوطني ونتائجه ولكي تعيد ازمة دارفور الي المربع رقم واحد من جديد.. لهذه الاسباب جاء الهروب الي الامام لتجييش الرأي العام السوداني ضد مصر وشغله عن الفشل والتردي علي الجبهتين الداخلية والخارجية.. وقد قامت الخارجية المصرية بنفي فوري للاتهامات السودانية, وأعقب ذلك نفي شامل وقاطع من الرئيس عبدالفتاح السيسي مستخدما عبارات منضبطة في صياغتها ولكنها ايضا ذات دلالات قاسية لمن يعي أو يفهم.. ان التلاعب بعلاقات شعبين شقيقين عبر مناورات مثل هذه, أمر يحمل الكثير من المجازفات والمخاطر التي يجب النظر في مآلاتها قبل إلقاء الكلام علي عواهنه.