منذ اليوم الأول الذي اغتصبت فيه فلسطين عام1948 واخطبوط التهويد الصهيوني يزحف من كل جانب عليها, وكل يوم يقضم قطعة تلو القطعة من اراضيها, وينهش جزءا من مقدساتها العربية والاسلامية. ويلحق الاذي بجزء اخر. ويغير طابعها الذي اشتهرت به بمعالم صهيونية بغيضة, وكانت آخر حلقات هذا الزحف, ما اعلن عنه نتنياهو من ضم الحرم الابراهيمي ومسجد بلال بن رباح الي قائمة التراث اليهودي. من الحقائق المتواترة, ان تهديم القري الفلسطينية قد استمر خلال الخمسينيات دون انقطاع, كما كانت هناك حملة مسعورة عام1966 تحت شعار ازالة القري الباقية في الجليل, كما ازدادت حدة اعمال التهديم بعد حرب يونيو1967 وما حدث بالنسبة للقري يشبه شيئا من قبيله فيما حدث للمساجد والمقابر حيث اصبحت بعض المساجد حظائر للغنم, او محلات للنجارة او مطاعم او معابد يهودية او مطاعم وقاعات للرياضة او حانات خمور, وكثير من المساجد قد حولت الي اماكن يجد فيها الفاسقون مأوي لهم لارتكاب معاصيهم بعيدا عن اعين الرقباء اما المحظوظ من تلك المساجد فتحول الي متحف لذكري اليهود الذين قتلوا في الحرب مع العرب. اما المقابر والمزارات فإن اكثرها قد دمر, واستعمل للطرق العامة وللزراعة او لبناء مؤسسات او حدائق عامة, كما ان البعض منها اصبح مقلبا لجمع القمامة ومن سلم منها من ذلك قد ترك متداعيا ومهملا لايسمح للاوقاف الاسلامية بإصلاحه, وامعانا في اثارة الغيظ في صدور العرب قام الصهاينة بتهويد بعض المقابر والمزارات العربية. ذلك انه بعد طرد في عامي1948 و1949, اصبحت قبور الأولياء المسلمين ملكا للدولة واحيطت بالحراسة, ثم بدأت بعد ذلك عملية التهويد لقبور هؤلاء, فتحولت قبورا للانبياء اليهود. والقديسين عندهم, واصبحت مزارات لاعداد ضخمة من اليهود, وبعد حرب1967 قام الجيش الاسرائيلي بالتعاون مع رئاسة الحاخامية فيه والموظفين في هذه الرئاسة, بالسيطرة علي الاماكن المقدسة لدي المسلمين, تحت ذريعة انها كانت مقدسة لليهود ومن هذه الاماكن مقبرة النبي يوسف في نابلس وكذلك قبر النبي صموئيل قرب القدس. ومنها قبر في قرية زكريا كان يزوره المسلمون منذ مئات السنين, ويعتقدون انه قبر زكريا والد يحيي عليهما السلام, لكن اليهود زعموا انه قبر النبي زكريا احد انبياء العهد القديم, كما ان قبر السيدة سكينة في طبرية الذي كان يتبرك به المسلمون, اصبح قبرا لراحيل زوجة الحاخامعقيب من القرن الثاني للميلاد, والشيء نفسه يمكن ان يقال عن قبر الشيخ بدر العراقي الذي يعود بتاريخه للعهد الايوبي ولا يتسع المجال للتحدث عن بقية هذه المزارات وحسبنا ان نردد ما قاله البروفيسور ميرون بنفستي في كتابه المشهد المقدس ان الكثير من الخمسمائة مكان مقدس لدي اليهود, والتي نشرت في كتاب لوزارة الدفاع, ان هي الا اماكن مقدسة للمسلمين, فهم الذين بنوها واعتنوابها وزاروها لمئات السنين وعلي الرغم من وجود العرب قرب هذه المزارات فإنه لا يسمح لهم بزيارتها. ومن الجدير بالتنويه اليه هنا كل الجدارة, ان اخطبوط التهويد الصهيوني لم يقتصر في زحفه هذه المرة علي مقدسات اماكن اغتصبتها اسرائيل عام1948, بل تعداه الي اماكن اغتصبت عام1967, ويفترض انها من ضمن اراضي السلطة الفلسطينية, وسنؤجل الحديث عن الحرم الابراهيمي لمقالة تالية, وسنقصر حديثنا علي مسجد بلال بن رباح, او ما يطلق عليه اليهود قبر راحيل. وراحيل هذه هي والدة يوسف وبنيامين حسب الطرح التوراتي, وانها ماتت عند ولادة بنيامين, ودفنت بهذا المكان المعروف بقبة راحيل, وقد بناه المسلمون, وكان منذ الازمنة المتطاولة في القدم في ايديهم, يدل علي ذلك ذكرها في كتب قدامي جغرافيي العرب ومنهم المقدسي المتوفي375 ه/1153م في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الافاق كما ذكرها بهاء الدين بن عساكر المتوفي سنة600 ه/1203 م في كتابه الجامع المستقصي في فضل المسجد الاقصي واتي بعدهما السائح الهروي المتوفي سنة611 ه/1214م في كتابه الاشارات الي معرفة الزيارات واتي بعده ابن فضل الله العمري المتوفي سنة748 ه/1347م في كتابه مسالك الابصار في ممالك الامصار ثم يأتي سراج الدين بن الوردي المتوفي نحو سنة850 ه/1446م في كتابه خريدة العجائب وفريدة الغرائب وقد ذكر غرس الدين خليل بن شاهين الظاهري المتوفي سنة872 ه/1467م, في كتابه زبدة الممالك وبيان الطرق والمسالك : ان والده شاهين الظاهري قد اقام قبة وصهريجا ومسقاة للسبيل في ذلك الضريح.. وهذا النسق يشبه عن قرب ما ذكره الاب ما يسترمان في دليله من اقامة محمد بك باشا صاحب لواء غزةوالقدس سنة968 ه/1560م الجدران الاربعة تحت اقواس القبة المكشوفة, وبنائه قبرا تحتها بدلا من الشكل الهرمي الذي كان فيها, واتخاذها مزارا للمسلمين, وظل هذا القبر في أيدي المسلمين حتي عام1841 م, حيث حصل السيرموسي منتفوري من كبار اليهود البريطانيين علي اذن من الدولة العثمانية صاحبة السلطات علي الارض المقدسة اذ ذاك بتسليم مفتاح القبة لليهود, علي ان يبني الي جانبها مصلي للمسلمين, وبالرغم من ان القبة اعطيت لليهود بإذن الحكومة لكنهم لم يتمكنوا من القيام عليها ومحافظتها في تلك الايام بدون حام يحميهم, فاستعانوا بعشيرة التعامرة وائتمنوا شيخها علي القبة والمفتاح الي ان اشتد ساعدهم وقويت شوكتهم فأخذوا المفتاح نهائيا واستقلوا بالقبة, وهذا شأن المغتصبين في كل زمان ومكان وشأن اليهود منذ بداية وجودهم وعند هذا الحد نجد انفسنا منساقين للاستعانة بالطرح التوراتي, فابرام واسحق ويعقوب, رغم تغيير اسم الجد ابرام العموري الي ابراهام العبراني, كانوا باعتراف كتبة العهد القديم انفسهم في سفر التكوين عموريين هاجروا الي ارض كنعان فلسطين ويعترف الكتبة من الكهنة إن ارض كنعان لم تكن الا ارض غربة لإبرام الذي اصبح ابراهام, وبانه لم يشعر باي انتماء لها, وابلغ من ذلك في الدلالة علي لصوصية القوم بما استعاروه ونهبوه من حكايات الشعوب واساطيرها ومعبوداتها, قصة راحيل نفسها كما جاءت في عهدهم القديم, الذي لا يعدو كونه كومة مترهلة من الاكاذيب والمغالطات والتلفيقات التي بلا حدود. ونحن نتذكر طبعا ما حدث لخال يعقوب واسمه لابان عندما استضاف يعقوب بارضه في حاران وزوجة من ابنتيه راحيل وليئة وكما ظل يحدث لاولئك القوم كلما حلوا بارض ضج ابناء لابان بعد عشرين سنة من اقامة يعقوب بين ظهرانيهم. وسمع يعقوب ابناء خاله لابان قائلين اخذ يعقوب كل ما كان لابينا, ومن مال ابينا صنع كل هذا المجد الثراء ونظر يعقوب الي وجه خاله لابان. فإذا هو ليس معه كأمس واول امس, وسرق اغنام لابان ومواشيه ومعظم ثروته بل واصنامه آلهته الغريبة كما اسماها الكهنة عندما رووا الحكاية, وراحيل هي التي اخفت اصنام ابيها عند ارتحال يعقوب الي ارض كنعان, وخرج بحجة ان خاله اساء اليه وسخره واستعبده وحمله ما لايطيق, واعتقد ان المعني واضح, وليس في حاجة الي شرح او تكرار.