وهكذا مرت الذكري الرابعة والثلاثون لمناسبة يوم الأرض, ولم تنته فيه مجزرة الارض بعد, بل العكس هو الصحيح, إذ باتت الأرض الفلسطينية قاب قوسين من الابتلاع الصهيوني او ادني. فكل يوم يقضم جزءا من اراضي فلسطين ويلحق الاذي بجزء اخر, استنادا الي ادعاءات عمليات الترقيع التاريخية, التي لم تكن ناجحة عند الصهاينة وفي ارجاء العالم الغربي فحسب, بل كانت سلعة رائجة في قلب العالمين العربي والاسلامي. وهذا الترقيع التاريخي, يدحضه بالادلة الدامغة, تاريخ الشعب الفلسطيني وتواريخ البلدان المجاورة, وما علينا اذا اردنا تصحيح الصورة المشوهة, الا استنطاق التاريخ وبيان حكمه, ونعني به التاريخ الحق. لا ما قاله اعداؤنا فينا, وهذا يتطلب منا تتبع سجل سكني فلسطين, منذ اقدم عهودها وحتي زمننا الحاضر. وعند هذا الحد نجد العون في النتائج التي توصل اليها علماء ما قبل التاريخ, في ضوء الاكتشافات الأثرية الحديثة فثمة قاسم مشترك تتقاسمه هذه النتائج, وفوحواه انه تم سكني فلسطين منذ حوالي1.7 مليون سنة خلت واول من سكنها هو انسان الهوموركتوس اي منتصب القامة ووجدت مخلفاته في عدة مواقع من فلسطين منها موقع عرق الاحمر في غرب الاردن ووادي شقبة غربي القدس, وبعده ظهر انسان العبيدية علي شاطيء بحيرة طبرية وقد تمايز عن اسلافه بالتنظيم الافضل وتستخير البيئة لمتطلباته المتزايدة, وقد ظلت فلسطين عامرة بسكانها لمئات الالوف من السنين, وبمرور الحقب التاريخية, ازداد عدد سكان فلسطين واتضحت هويتهم الحضارية واصبح بإمكاننا التحدث عن المراكز الحضارية التي عثر فيها المنقبون علي دلائل باكرة للبناء واستخدام النار. وفي الحقب التالية ظهرت حضارية انتقالية, تعايشت كلها في الزمان والمكان, وكانت جماعاتها اكثر ارتباطا بأرضهم, وسكنوا في مواقعهم لقرون طويلة وجيلا بعد جيل, ومنذ حوالي مائة الف سنة, ظهر نوع جديد من البشر انسان النياندرتال وكان اكثر تطورا من اسلافه واكثر عددا. وقد صنعت جماعات هذا الانسان اسلحتها وادواتها الخاصة واتقنت البناء والاستفادة من النار وكانت لها حياة روحية واجتماعية متقدمة, دلت علي تطوره الي الانسان العاقل الذي ظهر منذ حوالي خمسين الف سنة, وهو ما اطلق عليه انسان فلسطين وهو جدنا. والاقرب لنا من جميع الانواع البشرية السالفة حيث تقدم عليهم اجتماعيا واقتصاديا وروحيا وفنيا, اما مخلفاته في فلسطين.. فقد امكن العثور عليها داخل الكهوف وفي مناطق مكشوفة ونستطيع ان نخمن ان تلك المجتمعات كانت مزدهرة ومتجانسة, ومنها انتشر بسرعة الانسان العاقل علي الارض بكاملها وخصوصا اوروبا الغربية, فليس من قبيل المصادفة, ان تكون فلسطين مهدا للحضارة النطوفية فيما بعد, وهي اعظم حضارات العالم القديم وقد ازدهرت في الفترة ما بين12.000 10.000 سنة ق.م واطلق عليها هذا الاسم نسبة الي اول منطقة اكتشفت فيها وادي النطوف غربي القدس, ولايكاد يخامرنا الشك, ان الانتقال من مرحلة الصيد وجمع الثمار التي سادت طوال الاطوار السابقة, الي الزراعة وتدجين الحيوان والتبدلات المرتبطة بهذا, حولت بوضوح ظروف تطور الحضارة وغيرت بيئة الانسان الطبيعية وبيولوجيته, وغيرت كل كوكبنا الي درجة معينة. وأول مازرع الانسان الفلسطيني القمح. الذي مهد الطريق الي سائر الحبوب. وفيما بعد الثمار والخضراوات, وقد واكب هذا الحدث العظيم تدجين الحيوان وعندما وضع انسان حضارة النطوف يده علي النبات والحيوان, وبتعلمه كيف يعيش معهما, تمكن من وضع الاساس المادي والفكري المباشر للانعطاف الجذري والاهم في تاريخ البشرية وظلت فلسطين منذ تلك الحقب الموغلة في القدم, تبتكر الحضارة تلو الحضارة كاليرموكية والغسولية, وكلها أثرت وتأثرت بما عاصرها من حضارات الشرق القديم. ويمضي التاريخ في حركته, وتدخل فلسطين في طور جديد من اطوار تاريخها, حين هاجرت اليها من قلب الجزيرة العربية قبل الالف الخامس ق.م, قبائل الكنعانيين, ونظرا لكثرة اعداد المهاجرين الجدد, فقد انصهر فيهم سكان فلسطين القدامي من النطوفيين, وكونوا معا شعبا واحدا منسجما, لاتزال فروع جذوره تمتد في سائر انحاء فلسطين, وقد بلغ درجة عالية في سلم الحضارة, تتمثل في ازدهار الزراعة ونظم الري والتجارة والصناعة وتوسع العمران, ناهيك عن الجانب الروحي, وهذا بدوره جدير بان يفسر لنا حمل البلاد لاسمهم لعشرات القرون ارض كنعان وقد شهد العهد الكنعاني الغزو الهكسوسي1730 1575 ق. م ولكن هذا الغزو لم يؤثر بتاتاعلي تطور فلسطين وازدهارها وبعد طردهم من مصر خضعت فلسطين بأكملها للنفوذ المصري الذي استمر لعدة قرون, وفي بداية العصر الحديدي وحوالي عام1185 ق.م نري الصورة في فلسطين وقد تغيرت ملامحها, واضحت فلسطين مسرحا للعديد من الصراعات الداخلية وكذلك بين القوي الكبري: المصريين والبابليين والحيثيين. بيدأن اهم ما اسفرت عنه تلك الصراعات بروز البلست او الفلسطينيين الذين يري فيهم بعض الباحثين, احد بطون الكنعانيين وقد عادوا الي فلسطين بعد غربة طويلة عنها, فيما يري البعض الاخر, انهم يمثلون احدي الهجرات الكنعانية الي فلسطين اما الرأي القائل بارجاعهم الي بحر ايجه او جزيرة كريت فقد بات واهنا لا يتشبث به الي اصحاب الخطاب التوراتي. وفي كل الاحوال, فقد سكنوا الساحل الفلسطيني وتفوقوا برا وبحرا وعظمت صولتهم وقويت شوكتهم, وتركوا اثرا خالدا وهو اسمهم علي فلسطين وهكذا اندمج الفلسطينيون بالكنعانيين, اندماج الكنعانيين بالنطوفيين, وكون الجميع شعبا واحدا لا تزال فروع جذوره ممتدة علي ارض فلسطين الي الان. ولا شك انه من ضروب الوهم, الظن بانه قد واكب بداية العصر الحديدي في فلسطين تسرب اليهود اليها, والرأي الذي ساد اخيرا, ويتبناه نخبة من علماء الاثار والمؤرخين الثقاة غربيين واسرائيليين: انه بعد ان لحق السبي باليهود لاكثر من مرة, من جهة ما في الجزيرة العربية او اليمن, كان آخرها التي جرت علي يد نبوخذ نصر اعيد توطينهم في بابل وغيرها من ارجاء الامبراطورية وظلوا يحلمون باعادة عزهم القديم قبل السبي, وعندما عقد الفرس النية لتدمير الامبراطورية البابلية الجديدة. جرت اتفاقات سرية مع يهود بابل, تعهدوا فيها بتخريب العراق عند هجوم الفرس, في مقابل اعادة توطينهم في القدس وما حولها, ومنذ تلك الاونة دخلت فلسطين واحدا من احلك عهودها ظلمة, ومن الجدير بالتنويه اليه, انهم لم يقيموا كيانا لهم الا ايام دويلتهم المكابية152 63ق.م والتابعة للسلوقيين في سوريا فقد قام عام63 ق.م القائد الروماني بومبي بتحرير القدس والقضاء علي دويلة اليهود, وتوالت الضربات عليهم, فتعرضوا للمذبحة الفاصلة عام70 بعد الميلاد بقيادة القائد الروماني تيطس التي صفت اكثرهم محليا, وفر أقلهم الي مصر وسوريا, غير ان بقايا اليهود عادوا الي العصيان عام135 م.