لا تزال مقدمات الانتخابات البرلمانية, ولاسيما نتائجها تشي بأن آليات التكامل ومن ثم التفاعل بين الطرح وشخوصه قد لا يؤتي ثماره المرتقبة, بعدما باتت في معظمها البرامج الباهتة والحركات البهلوانية وتضخيم الجهود الخدمية علي تهافتها إحدي وسائل الدعاية التي اخترقت حاجز الاتصال الجماهيري المباشر إلي غيره حيث نجومية الفضائيات..وأحسب أن أول التحديات لدي السادة المنتخبين هي ترسيخ شرعية المجلس ذاته بعدما كانت هذه المسألة لدورات متعاقبة تمثل البدايات الساخنة علي غير جمر, التي يؤخذ بها بإدعاءات احترام كلمة القضاء تارة أو بعكسها عندما يرفع شعار سيد قراره. ذلك أن ما سيترتب علي هذه الجزئية من تداعيات سيكون كفيلا بضرب الممارسة الديمقراطية في مقتل دون تحسب لما أثخنها من جروح الماضي وشروخ الحاضر وربما المستقبل. ولعل هذا يدفعنا إلي الحديث بالتبعية عن لجان المجلس التي باتت وكأن لكل عضو فيها زمام ملكية خاصة تختلف قيمتها الشخصية باختلاف السفريات والرقابة( الترفيهية), بعيدا عن لجان المشكلات المستعصية والقوانين الحادة التي لا يستسيغها إلا أولو العزم من التشريع..وهم ليسوا بكثر. ومن ثم فأحسب أن قضية الانضمام للجان لا ينبغي أن تخضع لرغبة العضو بل ينبغي أن تكون في إطار معياري يربط بين الخبرة الحقيقية والقدرات السياسية. فليس كل نائب بخلفية الممارسة الرياضية مثلا بقادر علي التصدي لقضايا الرياضة, ومثله المعلم أو الأستاذ الجامعي الذي قد يفتقر لمفهوم السياسة التعليمية أو الرؤية الإستراتيجية الخاصة لها. وبالتالي فالأهم هو التطبيق الصحيح- ولو لمرة!- لمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب والمعطل في مجتمعنا منذ إعلانه ضمن حزمة المباديء المعطلة حتي إشعار آخر, وذلك في ضوء معايير محددة تميز بين نواب التشريعات وأقرانهم من نواب التسهيلات. ومن بين الهواجس القديمة المتجددة في هذا الصدد مسألة الحصانة التي كانت مغنما لكل نائب ومغرما للمجتمع بعدما أفرغت من محتواها, وأصبحت سيفا مسلطا علي رقاب الكثيرين من أرباب السلطة التنفيذية في تعويق عملهم بالقانون. فما بالكم بأفراد الشعب الذين شعر العديد منهم بالصعاب من جراء إساءة الاستخدام, بالتعدي علي الملكيات الخاصة أو تصفية الحسابات بالتمترس وراء الحصانة. ليؤكد بعض النواب بأفعالهم حيالها أنهم لم يتعدوا سلوكيا مرحلة الحضانة ومن ثم ليسوا بمستحقين للحصانة. فتلك الأخيرة إنما صيغت لتعطي للسيد النائب حرية الحركة في تيسير دوره الرقابي دون أن يجترئ عليه بشر مهما كانت مكانته, ولكن هذه القيمة البرلمانية كم ترخصت لدي بعض وزراء الداخلية من أساطين التزوير الانتخابي الذي أهدروا معه معظم قيم الحياة البرلمانية وعلي رأسها الحصانة, بعدما بات حياء العين لديهم صنوا لإطعام الفم أو بالأحري لإنجاح العضو قسرا عن غير حق. وبالتالي لم نعد نسمع عن نظائر للقيادات البرلمانية التي صاغت تاريخ مصر النيابي وحفرت اسمها في صفحاته بأحرف من ذهب, بما تواتر عنها من كلمات أو استجوابات وبما صاغت من قوانين واستصدرت من قرارات. لكل ما سبق سوقه وأكثر نتمني أن يبدد أداء المجلس الجديد هواجسنا المتوارثة عسانا نعيش بعضا من زمننا المنسحب من أعمارنا وقد تنسمنا نسمات البرلمان الفاعل, بدلا من أن يلحق بالسابقين من أقرانه لينطبق علينا مثل ما بيعيشلناش مجلس, أو أن نبعث كناخبين من جديد وظيفة المنادي من العصور الوسطي لينادي ولا مجيب عن نائب تايه يا ولاد الحلال!. (إشراقات السعدي78): أصحاب الظهور المفتعل بالإضاءة الصناعية, دائما ما يبحثون لأنفسهم عن مكان تحت الشمس خوفا من انقطاع التيار. أستاذ الحضارة المصرية القديمة كلية الآداب جامعة الإسكندرية