تحدثت في المقال السابق عن كيفية حدوث الفوضي الخلاقة أو ما يسمي بحروب الجيل الرابع في مصر, واليوم نستكمل ما بدأناه, حرب الجيل الرابع لا تحتاج إلي عملاء وخونة بقدر احتياجها لتوظيف مواقف وردود أفعال منطقية وطبيعية علي اعتبار أن وسائل التدمير الذاتي لشعوب المنطقة ومنها مصر كانت موجودة نتيجة لتراكم الفساد والجهل والفقر والعنف والظلم الاجتماعي وضيق الأفق السياسي وتشرذم النخبة وتبعيتها للسلطة لسنوات طويلة... وكان كل ما يحتاجه من يدير تلك المعركة عدد قليل جدا من العملاء وكثير من المواقف وردود الأفعال الطبيعية المتسقة مع تاريخها وقناعاتها لإدارة تلك المعركة بنجاح حتي يتمكن من تحقيق هدفه بصعود تيار الإسلام السياسي في معظم دول الربيع العربي قبل أن تتصدي مصر له في30 يونيو. وقد كان لدي مراكز الأبحاث الغربية وخاصة الأمريكية التي تدعم القرارات في بلادها منذ ربع قرن تقريبا قناعة بأن البديل لأنظمة المنطقة الفاسدة من أمثال مبارك وبن علي والقذافي وصالح والأسد هي نظم ذات خلفية إسلامية تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين التي تقدم نفسها علي أنها تمثل الإسلام الوسطي, لذلك نري العقلاء وأصحاب الرؤية يلاحظون العلاقة بين الإخوان وكل تيارات العنف في المنطقة حيث كان يروج لنموذج الإخوان كنقيض للقاعدة والجهاديين والسلفيين وأن صعود الإخوان كفيل بالقضاء علي كل تلك الأفكار المتطرفة. والجميع أدوات في تلك النوعية من الحروب دون أن يدركوا في معظم الأحيان, وما يفرض من مواقف وإشاعات وأحداث هو فقط لتعديل المسار; وهكذا تحديدا تم التعامل مع شلالات الغضب في ثورة25 يناير التي لم تجد داخليا من يمهد لها القنوات ويهذب خط سيرها غير هؤلاء الذين يديرون تلك النوعية من الحروب كي يسطوا علي الثورة وآمال المصريين الذين نزلوا للشارع من أجل مطالب عادلة ويسلمونها بليل إلي الإخوان المسلمين وحلفائهم.. وفي مصر كانت هناك أجهزة ترصد هذا الصراع وتدرك أبعاده وتدير الحرب علي اعتبار أنها الطرف الآخر فيها, وأن الأدوات المتاحة للعدو هي نفسها تلك الأدوات التي يجب أن تعتمد عليها كي تجنب مصر ويلاتها والتي تهدف إلي التدمير الذاتي كما حدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن نتيجة غياب مؤسسة الجيش وأجهزة المخابرات وجمع المعلومات التي تدير الحرب المضادة... لذلك كانت30 يونيو ومن قادها بتأييد شعبي أكبر سلاح مضاد أوقف تقدم العدو الافتراضي وحجم كثيرا من تأثير أدواته وضبط إيقاع الشارع سياسيا وأمنيا... فهي قيادة تفرضها الظروف وهي الوحيدة القادرة هنا علي الفهم والمواجهة بحكم خلفيتها الأمنية والعسكرية.. المعركة لم تنته لأن حروب الجيل الرابع موجات متتالية تحتاج إلي يقظة ووحدة وعقل جمعي ولنبتعد عن نغمة التخوين لأنه للأسف في معظم ما تم كان بناء علي مواقف وردود أفعال طبيعية مبدئية من اشخاص في معظمها جاهلة ولا تدرك طبيعة اللحظة وشابها انتهازية سياسية ورغبة في التسلق علي أكتاف شعب مطحون, مع وجود عناصر للأسف تدرك وتعرف أنه يتم توظيفها وتوظيف مواقفها وفي بعض الأحيان تتلقي المقابل المادي, ولندرك جميعا أن أكبر سلاح في ترسانة العدو هو مناخ العنف والفرقة والشائعات التي تقسم الصف الوطني واستخدام جهل وسوء أداء وسائل الإعلام( مرئي ومسموع وقومي وخاص) في الترويج لتلك الشائعات في دوائر مفرغة من العبث تحت عنوان كبير: غياب الوعي.