سعدت الأوساط العلمية أيما سعادة عندما كرم سيادة الرئيس في عيد العلم عددا من علماء مصر الحاصلين علي جوائز الدولة, والذين خرجت ترشيحاتهم بحكم التخصص من أكاديمية البحث العلمي الموقرة. ونظرا لكون الجوائز الخاصة بالآداب والفنون والعلوم الاجتماعية تمنحها سنويا أيضا وعلي التوازي وزارة الثقافة فقد كان من المنتظر أن يتوازي التكريم أيضا دون اقتصاره علي مجموعة دون أخري. فلست بحاجة للإشارة أن الإبداع تحتاجه العلوم التطبيقية بقوانينها الصارمة بذات قدر ما تحتاج المجالات غير المعملية إلي قواعد علمية تنظم انطلاقاتها الإبداعية المتفردة. ولست بحاجة أيضا للإشارة إلي أن اقتصار العلم علي الجوانب التطبيقية, من شأنه أن يكرس مفاهيم مغلوطة حيال الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية قد تخلق حالة ما زلنا نعاني من بعضها علي غرار كليات القمة والقاع أو العلمي والأدبي. إذ لا يخفي علي أحد أهمية التوازن بين كلا الشقين في المجتمعات المتقدمة بل وأهمية الفنون والآداب في إعلاء البناء القيمي في المجتمع ورصد ظواهره الاجتماعية بكافة أبعادها. ولعل إشارة الرئيس السيسي في أحد الملتقيات للفنانين بالتوجيه لمراعاة مصلحة الوطن فيما يقدمون لكونها مسئولية أمام المولي, ليؤكد حرص الدولة علي اكتمال مفردات المنظومة الحياتية بكامل مفرداتها. سيدي الرئيس; نعلم أن الأحداث تتلاحق سراعا من حول الوطن وأن الاستهدافات تحيط به من كل جانب, ومن ثم قد تصبح بعض المطالبات- مثلما الحال في مقالنا هذا- من قبيل الترف. بيد أن الرؤية المستقبلية والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بما يمر به الوطن إنما تجعل لما نكتب أهمية خاصة من منطلقين. الأول منهما يؤكد أن مصر كقوة إقليمية كبري لا تستوقف مسيرتها علي كافة الأصعدة أي أحداث مهما بلغت استمراريتها أو قوتها فهي في النهاية عارضة, ولن تثنينا عن ممارساتنا الطبيعية علي المستويات الرسمية والشخصية حتي ولو كانت تكريما بمنح أوسمة الدولة في العلوم والفنون لمستحقيها. والأمر الثاني ليؤكد ترسيخ قيمة التكريم لأبناء الوطن حيال ما قدموه وفاء ليرده الوطن لهم شكرا بشكر و تحية بأحسن منها. سيدي الرئيس; إن مجالات الآداب وفنون والعلوم الاجتماعية ستظل هي قوة مصر الناعمة والمستدامة التي بإمكانها أن تخلق لمصر مواطيء قدم جديدة علي وجه البسيطة, فضلا عن استعادة الريادة المستحقة لمصر إقليميا ودوليا والتي باتت آثارها في بعض الأماكن باهتة تحتاج للصقل والترسيخ من جديد. إنها مهمة تنعكس علي الأمن القومي في بعده الوجداني و الثقافي والفكري وهي الرسالة التي حظي بها من قيضهم المولي لحملها من الزملاء في هذا المجال, ليصيغوا مع عقول مصر في المجالات التطبيقية معزوفة وطنية في حب مصر, سوف يكون لنا فيها علي سيادتكم حق الرعاية ولكم فيها علينا حق الامتنان. سيدي الرئيس; كلي ثقة أن ما اتخذته علي عاتقي من طرح رقيق في كلماتي إنما يعتمل في فكر ووجدان العديد من أصحاب استحقاقه, الذين مهما بلغت مكافآتهم المادية فلن يعدلها وقفة الوطن لالتقاط الأنفاس في لحظة تاريخية تشدون فيها علي أيديهم ويجددون العهد عمليا في حب مصر. ( إشراقات السعدي51): ليس المهم أن تسعي لرؤية النصف المملوء من الكوب, المهم أن تكون محتاجا لشربه بالفعل و ليس لإراقته. أستاذ الحضارة المصرية بكلية الآداب ومدير التعليم الدولي بجامعة الإسكندرية