أقام المجلس الأعلي للثقافة بالتعاون مع الصالون الثقافي العربي برئاسة الدكتور يحيي الجمل ندوة مهمة تحت عنوان تجديد الخطاب الديني, تحدث فيها الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة والدكتور محمود حمدي زقزوق, والدكتور أسامة الأزهري, الدكتور أسامة الغزالي حرب علي المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية, بحضور د. محمد عفيفي الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة, وحشد كبير من الأدباء والمثقفين والسفراء. وفي البداية أكد د. جابر عصفور وزير الثقافة- والذي أدار الندوة- في كلمته أننا بحاجة إلي مراجعة حقيقية للخطاب الديني ليس بوصفنا رجال دين وإنما كمثقفين, مؤكدا أن إقامة هذه الندوة في المسرح الصغير بدار الأوبرا تؤكد أن الخطاب الديني هو خطاب ثقافي, كما يشتمل علي خطابات متعددة منها السياسي علي سبيل المثال. وأوضح عصفور أن كتابات رفاعة رافع الطهطاوي مثل كتاب تخليص الأبريز في تلخيص باريز والذي كتبه في أوائل القرن التاسع عشر قد حظي بكثير من الترحيب في عصره بالرغم من أنه يحوي الكثير من الأفكار المتحررة, أما لو ظهر نفس الكتاب في عصرنا الحاضر لكان لاقي الكثير من الانتقادات. وأضاف أن الخطاب الديني في مصر بين الحربين العالميتين كان ثريا جدا ومتحررا أكثر من عصرنا الحاضر. ومن جانبه قال الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري الأسبق, إن تجديد الخطاب والفكر الديني مرتبط بالاجتهاد أي مبدأ الحركة في الإسلام, هو ما ليس موجودا بيننا الآن حيث توقفت الحركة, مشيرا إلي أننا الآن نتعلم من الأخرين الذين اجتهدوا في فترة التراجع الفكري, وليست فترة الازدهار والتقدم الإسلامي, وهو ما أدي لتراجع الخطاب الديني, وأضاف زقزوق أنه عندما توقف الاجتهاد سيطر التقليد علي الفكر الإسلامي والنقل فقط وعدم إعمال الفكر, مشيرا إلي الفتاوي التي تلقي جاهزة علي شاشات التليفزيون, متحدثا عن طريقة الإفتاء عند بن حنبل والذي كان يرفض الفتوي إلا في أضيق الحدود وكذلك الشافعي. كما عرج علي قضية اشتغال المرأة في القضاء, قائلا إن الأئمة مالك وابن حنيفة وابن حنبل رفضوا اشتغال المرأة بالقضاء, لكن بعض الحنفيين قبلوا اشتغالها لكن في الجانب المدني فقط وليس في الجنايات. وأشار إلي أننا حين ننظر للوضع الحالي نجد أن وضع المرأة اليوم غير المرأة منذ ألف سنة, وقتما ظهرت اجتهادات هذه الأئمة, ولذلك علينا إقامة دراسات جديدة في وضع المرأة وحالها اليوم, ولا ننقل الفتوي القديمة كما هي, بل نحتاج إلي اجتهاد جديد ينظر للواقع المعاصر. وأكد حمدي زقزوق أن القرآن جعل الذين لا يستخدمون عقولهم في مرتبة أقل من الحيوان, فالتقليد هو آفة المجتمع, والسبب فيه هو نظام التعليم فلا نجد من يتخرج من المدارس أو المعاهد الدينية لديه تفكير نقدي, لأن نظام التعليم يعتمد علي التلقين والحفظ, لذلك انتشرت ظاهرة الإلحاد في مجتمعنا اليوم مشيرا الي أن الشباب الذين يسيرون خلف نيتشة علي سبيل المثال ويعلنون إلحادهم بناء علي مقولته موت الله لم يقرأوا, ولم يعرفوا أن نيتشه قضي آخر سني عمره في المصحات العقلية مجنونا, والرسول الكريم قال لا تكن إمعة أي تابعين بدون رأي مقلدين وفقط. وأضاف زقزوق أن الإنسان يجب أن يستخدم عقله في التفكير, فالقرآن الكريم حثنا علي ذلك وجعل عقاب هؤلاء كبيرا, فالله سخر للإنسان كل الكائنات, السماء والأرض وما بينهما, والذي يتفكر ويبحث وينقب يصل في النهاية للنتائج التي يبتغيها من البحث العلمي. ومن جانبه طالب د. أسامة الغزالي حرب في ظل الدعوة لتجديد الخطاب الديني, الي إعادة شرح الأحاديث النبوية والشجاعة الكاملة في التعامل معها, حيث إنه لم تحدث محاولات جادة لتنقية هذه الأحاديث التي تمتلئ بها كتب التراث منسوبة إلي الرسول. وأضاف الغزالي أن هناك الكثير من الفتاوي ظهرت هذه الأيام خصوصا علي شبكة الإنترنت وتحتوي علي الكثير من الخرافات والكراهية الدينية والطائفية وتحض علي العنف نتيجة خطأ في تأويل آيات القرآن. وأشار الي ضرورة إعادة النظر في قانون إصلاح الأزهر, الذي أصدره الرئيس جمال عبد الناصر, وأن يعود الأزهر لرسالته الأساسية, مؤكداأن الإصلاح الديني واصلاح الأزهر, مرتبطان باعتبار أن الأزهر منوط به الدعوة إلي قيم الإسلام الوسطي السمحة, وكذلك رفع شأن الدعوة الدينية. أما د. أسامة الأزهري فاستعرض تاريخ التجديد والمجددين في العصر الحديث, مطالبا وزير الثقافة بإعادة طبع كتاب القول السديد في الاجتهاد والتقليد, لرفاعة رافع الطهطاوي, وذلك في إطار الدعوة إلي تجديد الخطاب الديني في مصر, فالكتاب من نوادر ما كتب رفاعة الطهطاوي ويتحدث عن تجديد الخطاب الديني. وأكد الأزهري الحاجة إلي خطاب ديني جديد يستوعب أطروحات فلسفية مختلفة,مشيرا إلي ظاهرة الإلحاد التي بدأ يتأثر بها عدد من الشباب, مؤكدا أن تجديد الخطاب ضرورة ملحة, ولها آليات تحتاج إلي إعادة تأهيل عدد من العلماء والباحثين, لأن يكون لهم نظر عميق في العلوم الشريعية وتدريسها, بعد أن تولد خطاب ديني وضع الإسلام في وضع الاتهام.