سأفسح المساحة المخصصة اليوم لمقال قرأته أخيرا للصحفي السعودي جميل الفارسي عن مصر, قيمة المقال في أننا نحتاج أن نقرأه كمصريين لأنه يتحدث عنا بعين عربية وأعتقد أننا في أشد الحاجة إليه لكي نعرف ما قدمناه من سنوات قليلة للعالم العربي, ولكي نعرف مقدارنا وما يمكن أن نفعله, هذا المقال أوجهه لنا كمصريين وليس كعرب لنتعلم من نحن وماذا يجب أن نكون: ' يخطئ من يقيم الأفراد قياسا علي تصرفهم في لحظه من الزمن أو فعل واحد من الأفعال, ويسري ذلك علي الأمم, فيخطئ من يقيم الدول علي فتره من الزمان, وهذا للأسف سوء حظ مصر مع مجموعة من الشباب العرب الذين لم يعيشوا فترة ريادة مصر.تلك الفترة كانت فيها مصر مثل الرجل الكبير تنفق بسخاء وبلا امتنان وتقدم التضحيات المتوالية دون انتظار للشكر, هل تعلم يا بني أن جامعة القاهرة وحدها. قد علمت حوالي المليون طالب عربي ومعظمهم بدون أي رسوم دراسية؟ بل وكانت تصرف لهم مكافآت التفوق مثلهم مثل الطلاب المصريين؟ هل تعلم أن مصر كانت تبعث مدرسيها لتدريس اللغة العربية للدول العربية المستعمرة حتي لا تضمحل لغة القرآن لديهم, وذلك كذلك علي حسابها؟ هل تعلم أن أول طريق مسفلت إلي مكةالمكرمة كان هدية من مصر؟ حركات التحرر العربي كانت مصر هي صوتها وهي مستودعها وخزنتها وكما قادت حركات التحرير فإنها قدمت حركات التنوير, كم قدمت مصر للعالم العربي في كل مجال, في الأدب والشعر والقصة وفي الصحافة والطباعة وفي الإعلام والمسرح وفي كل فن من الفنون ناهيك عن الدراسات الحقوقية ونتاج فقهاء القانون الدستوري, جئني بأمثال ما قدمت مصر؟ كما تألقت في الريادة القومية تألقت في الريادة الإسلامية فالدراسات الإسلامية ودراسات القرآن وعلم القراءات كان لها شرف الريادة وكان للأزهر دور عظيم في حماية الإسلام في حزام الصحراء الأفريقي, وكان لها فضل تقديم الحركات التربوية الإصلاحية.. أما علي مستوي الحركة القومية العربية فقد كانت مصر أداتها ووقودها وإن انكسر المشروع القومي في67 فمن الظلم أن تحمل مصر وحدها وزر ذلك, بل شفع لها أنها كانت تحمل الإرادة الصلبة للخروج من ذل الهزيمة إن صغر سنك يا بني قد حماك من أن تذوق طعم المرارة الذي حملته لنا هزيمة67, ولكن دعني أؤكد لك أنها كانت أقسي من أقسي ما يمكن أن تتصور, ولكن هل تعلم عن الإرادة الحديدية التي كانت عند مصر يومها؟ أعادت بناء جيشها فحولته من رماد إلي مارد. وفي ست سنوات وبضعة أشهر فقط حولت ذلك الجيش المنكسر إلي اسود تصيح الله أكبر وتقتحم أكبر موانع عرفها التاريخ, مليون جندي لم يثن عزيمتهم تفوق سلاح العدو ومدده ومن خلفه, بالله عليك كم دولة في العالم مرت عليها ستة سنوات لم تزدها إلا اتكالا؟ وستة أخري لم تزدها إلا خبالا. ثم انظر بعد انتهاء الحرب فتحت نفقا تحت قناة السويس التي شهدت كل تلك المعارك الطاحنة أطلقت علي النفق اسم الشهيد أحمد حمدي, اسم بسيط ولكنه كبر باستشهاد صاحبه في أوائل المعركة' ونكمل غدا. [email protected]