وكأن إخوان مرسي كانوا ينتظرون العدوان الوحشي الإسرائيلي علي غزة, ليس لإظهار شجاعتهم في مقارعته, لكن للكيد لثورة30 يونيو, التي صححت أخطاء25 يناير, وأعادت الأمور إلي نصابها إلي قليلا, فمنذ اللحظات الأولي للعدوان بدا واضحا أن النية مبيتة للهجوم علي مصر ورئيسها, وكأن مصر هي التي بادرت بضرب غزة من الجو والبر والبحر, وشاهدنا تطاولا, وانتقادات رخيصة من الدويلة التي باتت خنجرا مسلطا علي العرب متكئة علي ذراع أردوغان الذي يحلم بعودة الخلافة ناسيا أن الزمان لم يعد هو الزمان, كما أن خلافة أجداده لم تورث مصر, والمنطقة إلا المزيد من التخلف والفقر والجهل. المهم أن إخوان مرسي, ومن شايعهم سول لهم خيالهم المريض أن ضرب غزة فرصة ذهبية للنيل من الرئيس السيسي, خصمهم اللدود, ورأيناهم يشنون ضده حملة كراهية علي مواقع التواصل الاجتماعي, ويخلطون الجد بالهزل, ملمحين إلي تعهد الرجل لدول الخليج بالدفاع عنها في حالة تعرضها لأي عدوان خارجي بعبارته البليغة, مسافة السكة, وكأن المطلوب من رئيس مصر المنتخب, والذي أقسم علي حماية التراب الوطني, والدستور أن يقود شعبه في مغامرات غير محسوبة حتي يرضي عنه إخوان المعزول, وحتي لو فعل فلن يرضوا عنه حتي يتبع ملتهم, ولن يسلم من حقدهم الأسود, وكيدهم الذي فاق كيد النساء. هذا الكيد تبدي في موقف حركة حماس من المبادرة المصرية للتهدئة, والعودة إلي الأوضاع التي كانت عليها الأمور قبل العدوان الأخير, وللعلم فلم تختلف المبادرة قليلا أو كثيرا عن تلك التي وافقت عليها حماس لوقف عدوان2012, التي رعاها المعزول, لكن ما حدث هذه المرة أن حماس لم ترد أن تعطي مصر نصرا دبلوماسيا, تضامنا مع شقيقتها الكبري التي أطاحت بها ثورة30 يونيو, وعلي طريقة الإخوان في التفكير الخاطئ لم تبح الحركة بالسبب الحقيقي للرفض, لكنها راحت تتسكع علي الجسور, وتروج لمزاعم جد سخيفة مثل تجاهل القاهرة لها أثناء الإعداد للمبادرة, وأنها لا تلبي طموحات الجانب الفلسطيني, برغم أن نتائج العدوان تؤكد أن كل الضحايا فلسطينيون, وحتي كتابة هذه السطور فإن نسبة الضحايا تبلغ300 شهيد فلسطيني مقابل مقتل إسرائيليين, دعك من تدمير مئات المنازل والمدارس والمباني مما يحول قطاع غزة إلي خراب تنعق عليه غربان حماس وحلفاؤهم من المتاجرين بالدم الفلسطيني. وأكثر من هذا تصرفت حماس, وكأنها هي الطرف المنتصر في ساحة القتال, وراحت تملي شروطها لوقف إطلاق النار, مثل فتح المعابر ورفح تحديدا, في سلوك ينم عن جهل مطبق بمجمل المشهد الدولي, وأطراف الصراع التي تكاد تميل بالكامل إلي جانب المعتدي, بدليل أن الرئيس الأمريكي, ومستشارة ألمانيا, والرئيس الفرنسي, وحتي مجلس الأمن يساند تل أبيب, ويتفهم دفاعها عن النفس في مواجهة صواريخ المقاومة الفلسطينية, وهي التي تذكر بصواريخ صدام حسين التي أطلقها علي إسرائيل, تحدث جعجعة لكن من دون قتلي. والمؤسف أن ما أخفته حماس كشفه الأخ أردوغان عندما خرج عن كل الأصول والأعراف الدبلوماسية, واستغل العدوان علي غزة للهجوم علي الرئيس السيسي, ووصفه بما لا يليق, دون أن يجرؤ علي توجيه كلمة واحدة لنتانياهو جزار غزة, وشريكه في اتفاقية التعاون العسكري الاستراتيجي, وكأن المقصود فقط توريط مصر أو النيل من دورها التاريخي في الدفاع عن القضية الفلسطينية, قبل أن تولد حماس والقردغان, ودويلة قطر التي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط, وعندما أقول ذلك فهو من باب سرد الوقائع, وليس من باب المن والأذي, لأن القضية الفلسطينية أسمي وأنبل من تحويلها إلي سلعة في مزاد السياسة الدولية, مثلما تفعل حماس الآن, وليتها لم تفعل حقنا لدماء شعبها الأعزل, وقطعا للطريق علي سفاحي تل أبيب المتعطشين دائما لسفك الدماء العربية. لقد خسرت حماس كثيرا برفضها المبادرة المصرية, ووقع خالد مشعل في خطيئة التدخل في الشئون الداخلية المصرية, بل والتحريض علي التمرد عندما قال إننا ننتظر نخوة الجيش المصري, أية نخوة تقصد يا رجل هل نسيت أن مصر هي التي خاضت كل معارك فلسطين منذ نكبة48, وما تلاها من عدوان56 الثلاثي, ونكسة67, ثم حرب أكتوبر73, دفاعا عن مساندتها للحقوق الفلسطينية المشروعة, وهل نسيت أيضا أنه لا يخلو بيت مصري من وجود شهيد أو مصاب جراء الحروب ضد الكيان الصهيوني, وأين كانت تركيا عضو حلف الأطلنطي, والقاعدة العسكرية المتقدمة للغرب في المنطقة, وقطر ولية النعمة الآن بعد أن تنكرت, وفصيلكم للرئيس الأسد الذي يدفع الآن ثمن مساندته للمقاومة في فلسطينولبنان. لقد خسرت حماس برفضها المبادرة المصرية تعاطف الكثيرين, وكسبت إسرائيل ورقة دعائية مهمة في مخاطبة الرأي العام العالمي, حيث صورت نفسها, خلافا للحقيقة, في صورة الدولة الراغبة في السلام, وأنها في حالة دفاع عن النفس, ولم تفوت الفرصة إذ أقدمت علي الاجتياح البري لقطاع غزة لتخوض أعنف معاركها فيه منذ عامين, ومن المؤكد أن حماس التي تراهن علي ما لديها من صواريخ مضادة للدروع تم تهريبها عبر الأنفاق في زمن مرسي, لن تفلح في تحقيق أي نصر بسبب الفوارق الهائلة في التسليح والمعدات, وربما يكون رهانها الوحيد هو الحصول علي مساعدات سخية من داعميها لإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية بعد أن تسكت المدافع. والحق أنني كنت من أشد المدافعين عن ظاهرة المقاومة العربية, سواء في فلسطين أو لبنان أو العراق والصومال, باعتبارها المعادل الموضوعي للاحتلال, لكن منذ عام2006, خرجت حماس عن نهجها المقاوم, وتطلعت إلي السلطة, وهو ما أساء إليها وكلف القضية الفلسطينية كثيرا بارتهان إرادة الفلسطينيين لممولي الخارج سواء كانت إيران أو تركيا أو قطر, فقد كانت القضية متوهجة إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولي والثانية عندما كانت حماس تقاوم وفتح تفاوض, أما مع وصول حماس للسلطة, وتمزيق الوطن بين غزة والضفة بفضل سياسات الحركة فقد فقدت الحركة شعبيتها, وقادت سياستها علي مدي7 سنوات إلي كارثة اقتصادية وسياسية, مما يعني أنها فشلت في تحقيق الحد الأدني من أحلام الفلسطينيين, وأسوأ من ذلك أن إسرائيل التي اضطرت للانسحاب من غزة عام2005, إذا بها تعود لاحتلاله في2014. إن أزمة حماس أنها تمارس السياسة بأسلوب الهواة, وتقول الشيء وتفعل نقيضه, فكيف تقبل بتشكيل حكومة توافق وطني مع حركة فتح, ولا توافق علي المبادرة المصرية التي قبلها الرئيس أبو مازن الذي اعترف بأنه ألح علي الرئيس السيسي أن يتقدم بها حقنا للدم الفلسطيني, ثم هل تنتظر حتي تقضي قوات الاحتلال علي ما تبقي من ترسانتها من الصواريخ تماما قبل أن توافق علي المبادرة أم أنها تترقب الحصول علي الضوء الأخضر من تركياوإيرانوقطر. ولعل أسوأ ما يرتكبه السياسي أن يقف مكتوف الأيدي أمام المقتلة التي نصبها الاحتلال لشعبه الأعزل بسبب سياسات رعناء لا تعرف الفرق بين الممكن, وغير الممكن في عالم يمر بتحولات هائلة, وفي منطقة أشبه ببرميل بارود, وحقل ألغام أريد لها أن يعاد تشكيلها بقوة الحديد والنار, بدليل ما يحدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا, ولمن لا يجيد قراءة المشهد أن يدفع الثمن من دماء المدنيين الأبرياء. إن كل تأخر في الموافقة علي المبادرة المصرية يعني سفك المزيد من الدماء في غزة, دماء الشيوخ والأطفال والنساء, ويتعين علي مشعل الذي يعيش حياة النعيم والرفاهية أن يفكر ويفكر انتظارا لتلقي التعليمات من العواصم التي تدفع له, ولا يهمها من الشعب الفلسطيني إلا المتاجرة بدمائه لتحقيق أحلام الزعامة الكاذبة, ووحدها مصر التي تحملت قدرها تجاه الفلسطينيين, وتدعمهم بكل ما أوتيت من قوة, ليس بحثا عن زعامة أو منا علي أحد بقدر ما هي ضريبة الجوار الجيوسياسي, وأنها تعلم أن ما يحدث في غزة وثيق الصلة بأمنها القومي تري هل تستيقظ ضمائر إخوان حماس, ويتعاملون بمسئولية مع المحنة التي جروها علي أهلنا في غزة أم تراهم يتعاملون باستخفاف مع كل ما يصدر عن القاهرة مثلما حدث مع المساعدات التي أرسلتها القوات المسلحة المصرية, انتقاما من عزل مرسي لأن هذا فضلا عن أنه فوق طاقتهم, فهو ليس دورهم كفصيل كان مقاوما, وأصبح متآمرا ومقامرا ومتاجرا.