أسوأ ما في ارتباط جماعة 'حماس' ب'الإخوان' علي مدي السنوات الثلاث التي شهدت صعود الجماعة إلي قمة المشهد السياسي، ثم كرسي الحكم في مصر.. الشعور السلبي الذي تكوَّن لدي الرأي العام المصري تجاه قضيتنا المحورية، قضية 'الصراع العربي الصهيوني'.. فمازال الكثيرون يربطون بين 'حماس' وبين الشعب الفلسطيني وهو ما جعلهم يستقبلون أخبار الاعتداءات الصهيونية علي غزة بفتور، بل ذهب البعض لأبعد من ذلك، لنري للأسف من يتشفي وينظر للأمر بعين الثأر!!.. وتناسي هؤلاء أن مصيبتنا الحقيقية في الكيان الصهيوني الذي يحتل الأرض العربية، ويطمع في الأخري، وأن ما نعانيه الآن وسنعانيه غدًا سببه بالأساس وجود 'إسرائيل' في المنطقة، وأن صراعنا معها صراع وجود، ودفاعنا عن حقوق الشعب الفلسطيني واستقلاله من النهر إلي البحر هو دفاع عن مصر ووجودها.. بل دفاع عن الأمة العربية بأسرها. أعرف أن مواقف 'حركة حماس' بداية من انحيازها لجماعة الإخوان، والمعسكر 'القطري - التركي'.. مرورًا بتطاولها علي الجيش، وحتي تصريحات قادتها الأخيرة بشأن 'المبادرة المصرية'، وكلمات خالد مشعل عن نخوة المصريين.. و'التصريحات العبيطة' عن تدويل معبر رفح، تثير غضب الشعب المصري، لكن علينا أن نفرِّق جيدًا بين القضية الفلسطينية وأي فصيل سياسي فلسطيني.. وأن ندرك خطورة أن نختصر قضية الصراع العربي الصهيوني في 'حماس' أو 'فتح' أو أي نظام حاكم هناك. بل إن القراءة المتأنية للمشهد تكشف أن المستفيد مما يجري الآن في غزة من قتل وتشريد ودمار، 'حكومة نتنياهو' التي اكتسبت شعبية قد تعينها في الانتخابات المقبلة، وحركة 'حماس' التي أعاد العدوان الصهيوني إليها الحياة ووضعها علي جهاز تنفس صناعي بعد موتها إكلينيكيًا عقب ثورة 30 يونية، لتعود إلي المشهد وتجني كعادتها المزيد من الأموال والمكاسب للقبول بالهدنة وحقن دماء الشعب الفلسطيني. لقد وقعت مثل كثيرين في هذا الخطأ، عندما تصوَّرت أن 'حماس' والقضية الفلسطينية وجهان لعملة واحدة، وقد أشرت إلي ذلك في مقال سابق.. ففي الجامعة، كنت من أشد المتحمسين ل'حماس'.. لم أكن أهتم بما يتم تداوله عنها وما يقال عن دور 'إسحاق رابين' في نشأتها واستخدامها في تصفية حركة 'فتح'، أو ما كان يتردد عن دعم أجهزة الاستخبارات الصهيونية للجماعات الإسلامية في فلسطين لمواجهة الحركة الوطنية المتمثلة في 'منظمة التحرير الفلسطينية'، وكنت أعتبر ذلك نوعًا من تشويه المقاومة. انتمائي ل'نادي الفكر الناصري'، في ذلك الوقت، وخلافاتنا التاريخية والأيديولوجية مع تنظيم الإخوان الأب الروحي ل'حماس' كانت أمورًا ثانوية، تتلاشي عند قضية الصراع العربي - الصهيوني.. بل يمكن القول إن نقطة التلاقي الوحيدة بين الناصريين والإخوان كانت 'حماس'.. هكذا كنت أو كنا نتصور. في بداية التسعينيات.. كانت المنطقة العربية تعيش مأساة 'احتلال العراق للكويت'.. حالة من الإحباط وعدم الاتزان أصابتنا ونحن نشاهد تدمير الجيش العراقي أحد أقوي الجيوش العربية، وحصار شعب العراق أحد أكبر الشعوب العربية، ويتم ذلك للأسف بمباركة عربية، ورعاية أمريكية. وقبل أن نتجاوز مأساة 'عاصفة الصحراء'، جاء 'مؤتمر مدريد' الذي دعا إليه 'بوش الأب'.. حالة جديدة من الإحباط عنوانها 'السلام خيارنا الاستراتيجي' و'الأرض مقابل السلام'، ثم جاءت 'اتفاقية أوسلو' التي تم توقيعها بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني 13 سبتمبر 1993 في واشنطن، بحضور بيريز وعرفات وتحت رعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وقد سميت الاتفاقية باسم العاصمة النرويجية 'أوسلو' التي استضافت المباحثات السرية بين الطرفين في 1991. وقتها.. هتفنا ضد 'ياسر عرفات'، و'منظمة التحرير الفلسطينية'، ورفعنا صور 'أحمد ياسين' وهتفنا ل'حماس'. المهم.. خنوع الأنظمة العربية، وضع 'حماس' في صدارة المشهد واستمرت سنوات طويلة، تمثل المقاومة في مواجهة الاحتلال الصهيوني، فقد كانت عملياتها الفدائية تجسد مقولة الزعيم جمال عبد الناصر 'ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة'، في وقت سيطرت فيه عبارات المهادنة و'العيش المشترك' و'قبول الآخر'، وغيرها. ورغم تبني إيران وسوريا خطابًا عدائيًا لإسرائيل، وتقديم بعض المساعدات لحركات المقاومة أو استضافة رموزها وتخصيص مرتبات شهرية لأعضائها، ظلت 'حماس' رمزًا للنضال، لم ينازعها مجد المقاومة إلا 'حزب الله' في بعض المناسبات. وبالنسبة لي.. ظلت 'حماس' أيقونة المقاومة، حتي انقلبت علي السلطة الفلسطينية في 2007.. والمشكلة لم تكن فقط في الانقلاب، الذي قسم الشعب الفلسطيني ودخل بالقضية إلي نفق مظلم، لكن أيضًا في ممارسات ميليشيات 'حماس' بعد الانفراد بالسلطة في القطاع.. فمشاهد رمي الفلسطينيين المنتمين لحركة فتح من فوق أسطح المنازل في غزة وتكسير عظامهم وسحلهم والتمثيل بجثثهم، لا تفارقني حتي اليوم.. خصوصًا وأني قابلت بعض الجرحي والمصابين جراء ذلك واستمعت لهم أثناء تلقيهم العلاج في مصر. سألت نفسي وقتها: هل هناك علاقة بين انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة في 2005 وبين الانقلاب في 2007؟!!.. واتسعت دائرة السؤال: هل هناك علاقة بين الصفقة الأمريكية مع الإخوان في العراق أو 'حكومة بول بريمر'، وبين انقلاب 'حماس' علي السلطة الفلسطينية وعزل قطاع غزة عن الضفة الغربية أم لا؟!!. ففي فبراير 2005 قررت الحكومة الإسرائيلية وبأغلبية كبيرة الانسحاب من غزة.. قبلها في 2004 تخلص الكيان الصهيوني من القيادات الفلسطينية التاريخية.. أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وياسر عرفات، لتبدأ القضية الفلسطينية مرحلة خطيرة.. يسيطر عليها الاقتتال الداخلي، لتتوجه أسلحة فصائل المقاومة إلي بعضها البعض. وبعد انسحاب إسرائيل من غزة، دخلت 'حماس' معترك السياسة وتخلت عن السلاح، ورغم رفضها المشاركة في الانتخابات الرئاسية، خاضت الانتخابات البلدية، ثم خاضت الانتخابات التشريعية الفلسطينية للمرة الأولي في عام 2006، وفازت ب'76' مقعدًا مقابل '43' مقعدًا لحركة فتح.. وهو ما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإقالة رئيس الوزراء أحمد قريع وتكليف 'حماس' بتشكيل الحكومة. منذ ذلك الوقت لم يعد الاحتلال الصهيوني هو قضية 'حماس' الرئيسية، اختفت 'إسرائيل' من المشهد، وكما خرجت 'منظمة التحرير الفلسطينية' من دائرة المقاومة خرجت 'حماس'، وبرز الصراع بين 'السلطة' و'الحكومة'، وتحول الأمر إلي مواجهات في الشوارع بين المنتمين ل'فتح' والمحسوبين علي 'حماس'. حرب راح ضحيتها العشرات بل المئات من الفلسطينيين، طرفاها 'كتائب شهداء الأقصي' و'كتائب عز الدين القسام'، حتي اتخذت 'حماس' قرارها في منتصف يونية 2007 بالانقلاب علي السلطة الوطنية والانفصال بقطاع غزة.. رأينا بعد ذلك التقارب 'الحمساوي' 'القطري'!! وعندما تظهر قطر يجب أن نفتش عن الكيان الصهيوني وبدأنا نسمع من جديد عن 'غزة الكبري'، وتسوية القضية الفلسطينية علي حساب مصر، أو ما يُعرف بدولة 'غزة الكبري' التي تتمدد إلي الأراضي المصرية باتجاه سيناء. وبعد 25 يناير أصبحت الصورة أكثر وضوحًا.. التصقت 'حماس' أكثر وأكثر بتركيا وقطر والمخطط الأمريكي الرامي لتقسيم المنطقة علي أسس عرقية ومذهبية.. وهل ننسي اتفاق 'حماس' و'إسرائيل' الذي تم تحت رعاية مرسي ووقعت فيه 'حركة المقاومة الإسلامية!!' علي وقف 'العنف المتبادل!' بين الطرفين، وتعهدت بتضييق الخناق علي حركات المقاومة؟!!.. يا سادة.. ما أقدمت عليه حماس وما ارتكبته من جرائم بحق الشعب الفلسطيني في السنوات التي تلت الانقلاب في غزة، وضعها في المكانة التي تستحقها وتليق بها كفصيل يتاجر بالقضية ويستخدمها، لكن ذلك لا يدفعنا بحال من الأحوال لأن نتخلي عن قضيتنا العربية.. فالقضية الفلسطينية هي قضية مصر الرئيسية، يجب بل ليس من حقنا ألا نفرط فيها كما لم نفرط في دماء شهدائنا الذين راحوا في طريق الدفاع عنها وعن القضايا المصرية والعربية.