تمر المواسم والأيام ولا تنقطع الرحمات والنغمات التي يتفضل بها علي عباده الطائعين, فالصلاة إلي الصلاة والجمعة إلي الجمعة ورمضان إلي رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر والحج يهدم ما قبله ليبدأ الانسان مرة أخري عبادة وطاعة لله في جميع الأوقات لكي يرقي في معاملته مع الناس وترتقي أخلاقه وهذا هو المقصود من العبادات في الإسلام, ولا يزال العبد يداوم علي تلك الطاعات والقربات حتي يكون عبدا ربانيا يقول للشيء كن فيكون, ومن حكمته تعالي أنه جعل هذه العبادات توصل بعضها بعضا في البداية يوضح الدكتور عادل المراغي إمام مسجد النور بالعباسية أن أيات القرآن الكريم أمرت بالاستمرار علي الطاعة طالما في الانسان نفس يدخل ويخرج وعين تطرف لقوله تعالي لنبيه صلي الله عليه وسلم واعبد ربك حتي يأتيك اليقين اليقين هو الموت ومن حكمة الله البالغة أن جعل العبد يتقلب في الطاعات كما يخرج من عباده إلي أخري ومن طاعة إلي طاعة فالصلوات الخمس والجمعة إلي الجمعة ورمضان إلي رمضان والحج إلي الحج كل هذه العبادات تجعل الانسان يداوم علي الطاعة حيث قال تعالي لرسول صلي الله عليه وسلم واستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا فدلت هذه الآية الكريمة علي المداومة والاستقامة علي أمر الله, وجاء المعني صريحا في قوله صلي الله عليه وسلم أحب الأعمال إلي الله أدومها وإن قل وذلك لأن الأعمال بالخواتيم فلا يدري إنسان متي يكون أجله والسعيد من رزق عملا صالحا قبل الموت ثم مات عليه. فالمداومة علي الطاعة من متطلبات الإسلام لأنه دين الجماعة فقد حرص وأمر أتباعه علي المحافظة علي الصوات الخمس وهي ميدان من ميادين الطاعات ثم الجمعة إلي الجمعة العيد الأسبوعي ثم رمضان إلي رمضان والكفارات السنوية ثم الحج والذي يغسل ما كان قبله فعل الانسان المسلم أن يداوم علي صلاة الجماعة بالنسبة للصلاة أما بالنسبة للصوم فقد شرع رسو الله صلي الله عليه وسلم صوم الاثنين والخميس حتي تتهيأ النفس وتصفو لخالقها ثم تأتي الزكاة أو الصدقات التي تطهر الانسان حتي يرقي في معارج العابد من ثم يأتي الحج علي رأس هذه العبادات لقوله صلي الله عليه وسلم من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه فالمداومة علي هذه العبادات ترقي الانسان في سلم الأخلاق والصفاء والنقاء وهذا هو الهدف من شروعية العبادات في الإسلام أن تثمر الأخلاق الكريمة والمعاملة الحسنة بين بني البشر. ويقول الشيخ محمود القاضي إمام مسجد السيدة نفيسة أن العبد لابد وأن يداوم علي طاعة مولاه لأن الله حي لا يموت لا تنقطع عبادته إن كان العبد يريد محبته سبحانه وتعالي لحديثه القدسي وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتي أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطيته ولئن استعاذ بي لأعيذنه وأبرز طاعة أو عبادة تدل علي ذلك هي عبادة الصلاة التي فيها يجد العبد صلة بخالقه خمس مرات في اليوم والليلة ومن العبادات الموسمية صيام رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا وهو ما أوصي به رسول الله صلي الله عليه وسلم في خطبة الوداع بعرفات حينما ذكرهم بأ كلهم لآدم وآدم من تراب ولا فضل لربي علي أعجمي إلا بالتقوي والعمل الصالح ومن شرط قبول العمل الصالح المداومة عليه وأن يكون صالحا لقوله تعالي قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي إنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعباده ربه أحدا حتي يكون الجزاء علي هذا العمل الصالح وأن المولي سبحانه وتعالي أمام هذه المداومة يستجيب لدعائه ويكون دائما عند حسن ظنه لقوله تعالي في حديثه القدسي أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي فلابد وأن يكون العبد ذاكرا لله لأنه المعطي والرازق والشافي ولا يقع في ملكه إلا ما يريد وإذا قطع الانسان صلته بخالقه وهو محتاج إليه في كل الأموال فقطع الصلة به سوء أدب معه فإذا أراد الوصول إلي محبته فليداوم علي طاعته تعصي الإله وأنت تظهر حب هذا العمري في القيامي بديع إن كان حبك صادقا أطعته إن المحب لمن يحب مطيع وإذا كنا ندعي محبته تعالي فيجب أن نداوم علي طاعته بأتباعنا لرسوله الكريم صلي الله عليه وسلم لقوله تعالي قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم. ويشير الشيخ علي الله الجمال إمام مسجد السيدة زينب إلي أن المداومة علي الطاعة أمر للأمة وعلي رأسها رسولها الكريم لقوله تعالي يا أيها النبي اتقي الله أي داوم علي تقوي الله وقوله أيضا فاستقم كما أمرت فيطلب منه الإقامة علي دينه ولكي يداوم العبد علي الطاعة يجب أن تتحقق فيه هذه الشروط الإخلاص لأن العمل الخالص لوجه الله يولد طاعة لقوله صلي الله عليه وسلم من ترك سيئا لله أبدله الله خيرا منه. * الإرادة والعزيمة فهذا رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتي تورمت قدماه وكان لا ينام قلبه وإن نامت عيناه. * أن يحذر العبد من الغفلة والمداومة علي حضور القلب دائما ولذا قال تعالي والذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم. * ترك العجب وعدم النظر إلي العمل لأن الانسان إذا أعجب بعمله استكفي بذلك أما إذا لم يرض عن عمله داوم علي الطاعة. * الحرص علي عمل الخيرات جميعا لأن الطاعات يكمل بعضها بعضا وأنهم كانوا يسارعون في الخيرات صدق الله العظيم. * عدم الاستهانة بأي عمل قليلا كان أو صغيرا لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلق أخاك بوجه طلق * توزيع الطاعات لأن النفس تمل لقوله صلي الله عليه وسلم يا حنظلة ساعة وساعة وأخر الشروط التي تضمن استمرار العبد علي الطاعة والمداومة عليها هو عدم التراخي بين الطاعات لأن هذا التراخي يجعل المرء يكسل عن فعل الطاعة قال تعالي وإن أتليت عليهم آياته زادتهم إيمانا صدق الله العظيم. ومن جانبه يوضح الدكتور السعيد محمد علي من علماء الأوقاف أن المولي تبارك وتعالي قال يا أيها الذين آمنوا أركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون في ضوء هذه الآية الكريمة التي اشتملت علي أوامر آلهية يتعلم المسلم أن الواجبات الشرعية أكثر بكثير من الأوقات الزمنية ذلك أن الانسان له في كل وقت عباده مهما قل هذا الوقت أو أكثر. ويلفت الدكتور السعيد محمد علي نظر الانسان بوجه والمسلم بوجه خاص إلي هذا المفهوم العالي حيث أن كل عمل يسلم إلي عمل آخر وكل عباده دائبة والمثال الأعلي في رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي كان عمله دينه وقوله أحب الأعمال إلي الله أدومها وإن قل وتساءل الكائن الصغير النملة هل رأيتها واقفة لا تتحرك؟؟ لا شك أن كل الكائنات في الأرض والسموات والنجوم والأفلاك وحتي أعضاء الانسان داخل جسم الانسان من أجهزة وغيرها كلها في عمل مستمر لا يتوقف مما يستوجب علي الانسان أن يكون كذلك في طاعته مع خالقه كباقي هذه المخلوقات فلكل وقت واجب. رابط دائم :