تسارعت أيام العيد وأوشكت علي الرحيل عن عالمنا الإسلامي. والغريب الذي يثير الالتفات أننا نتسارع إلي الأعمال الصالحة في أيام المناسبات. بحيث يشعر الناظر إلي أحوال العالم الإسلامي أنه حزمة مترابطة من المحبة والتعاون علي البر والتقوي. والقدرة علي تجاوز العقبات المعيشية والاقتصادية. لكن بعد انتهاء تلك المناسبات سرعان ما نجد العالم الإسلامي يعود إلي سابق عهده من التفكك والتشرذم. ويسود الاستغلال والاحتكار الذي يؤذي الفقراء والمحتاجين في نهاية المطاف. وتنحسر أعمال الخير بحيث تقف علي مجرد تبرعات ضئيلة متقطعة تتنافي مع توجيهات الرسول صلي الله عليه وسلم أي المداومة علي فعل الخير طوال العام وإن كان بسيطاً فقال صلي الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلي الله: أدومها" وقول الحكماء "قليل دائم خير من كثير منقطع". د. محمد وجيه الصاوي الأستاذ بجامعة الأزهر قال: علي المسلم السعي للمداومة علي فعل الخير لقوله تعالي: "وافعلوا الخير لعلكم تفلحون". ومن دلائل قبول العمل المداومة عليه. فآفة العالم الإسلامي أنه جعل حياته كلها عادات فقط. ومناسبات مربوطة بالطعام والشراب. بحيث لم تتجاوز ذلك المعني فوسائل الإعلام لا تكثر من الحديث حول الأضاحي والتواصل مع الفقراء من خلال الجمعيات الخيرية بالطعام واللحوم سوي في عيد فقط. والسؤال الذي يطرح نفسه عن باقي أيام العيد ماذا يفعل الفقراء خلالها هل يدركهم الموت أم ينتظرون مناسبة أخري يعيشون من خلالها أياما. فطالما أننا نملك القدرة علي تقديم تلك الذبائح بهذا المستوي من الشراهة لمتوسطي الحال والقادر علي تقديم عدد من الأضاحي فلماذا يتوقف المدد بعد انتهاء أيام العيد ويضع الجميع يديه في الماء البارد. وكأنه يعيش بمعزل عن مجتمعه. فلا شك أننا ندرك الغلاء في الأسعار الذي لحق اللحوم باعتبارها الغذاء الأساسي الذي يعتمد عليه الفقراء والمحتاجون في طعامهم ولو مرة في الأسبوع. أضاف: أصبح المسلمون موسميين في عباداتهم حيث يؤدون رمضان كأفضل ما يكون الأداء بحيث إذا انقضت أيامه فلا نجد صياماً ولا قياماً ولا صدقة وعطفاً علي الفقراء مما يجعل الظن يتسرب إلي عقولنا أننا عبيد رمضان وأن شرائع الإسلام حصرت في ذلك الشهر أو في تلك الشعيرة. فأم حبيبة رضي الله عنها تروي أنها سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يصلي لله تعالي في كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة. إلا بني الله له بيتاً في الجنة" ويدعم ذلك الدليل ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلي الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل". وبذلك يتبين لنا أن شرائع الإسلام لا تتوقف عند الفرائض بل هناك مكملات لتلك الفرائض تساعد علي بلوغ التمام. فالمداومة علي الأعمال الصالحة لا يثبت عليها إلا الصادقون ولا يستطيعها المنافقون أبداً. فهي أشد أعمال المرء علي الشيطان. باعتبارها دليل صدقه فيما أقدم عليه فعندما نقارن حالنا الذي يتباهي بتوافه الأعمال مما يتنافي معه الإخلاص. ويصيبها الشك في القبول. مما يتنافي مع واقع السلف الصالح الذين كانوا يحملون هم قبول العمل أكثر من العمل نفسه. وكان الواحد منهم يفعل الخير ويكثر من المعروف في الصلاة يستزيد من النوافل وقيام الليل باعتبار ذلك يجبر النقص. وفي الزكاة يتبعها بالصدقات مخافة أن يحيف علي حق الفقراء أو يصيب بعضها الرياء فيفسد عمله. وفي الصيام يكثر من النوافل طوال العام رغبة في دعم الفريضة للقبول. وفي الحج تأتي العمرة علي مدار العام. وفي الأضاحي تأتي ذبائح المعروف ابتغاء وجه الله تعالي. بما يصدق عليهم فيه قوله عز وجل: "والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلي ربهم راجعون". د. محمد السوقي المفكر الإسلامي قال: علامة قبول الأعمال أن يستمر فاعل الخير في الطاعة بعد الطاعة. بأن يظل رباطه مع الله موصولا. لا يغلق باب الطاعة أما المردود فهو الذي يتراجع بعد مواسم الخير والطاعات وتنقطع صلته بربه. وكأنه في واد آخر. فمن ثواب الطاعات أن تحفزك إلي ما بعدها وتدفعك إلي فعل الخيرات قال تعالي: "والذين اهتدوا زادهم هدي وآتاهم تقواهم". فالمداومة علي العمل الصالح شعار المؤمنين. ومن أحب القربات إلي الله رب العالمين. كما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "اكلفوا من العمل ما تطيقون. فإن الله لا يمل حتي تملوا. وإن أحب العمل إلي الله أدومه وإن قل". وكان صلي الله عليه وسلم إذا عمل عملاً داوم وواظب عليه. باعتبار المداومة علي فعل الطاعة سبباً لطهارة القلب واتصاله بربه. والقلب ملك والأعضاء جنوده. فإذا صلح الملك كان الصلاح من نصيب الجنود فقد ورد في الصحيح: "ألا وإن في الجسد مضغة. إذا صلحت صلح الجسد كله. وإذا فسدت فسد الجسد كله. ألا وهي القلب". فالله لا ينظر إلي صورنا وأموالنا قدر نظره إلي قلوبنا وأعمالنا كما أن المداومة علي العمل الصالح سبب لمحبة الله لعبده. يقول عز وجل في الحديث القدسي الجليل: "من عادي لي ولياً فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إلي من أداء ما افترضته عليه. ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتي أحبه. فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به. وبصره الذي يبصر به. ويده التي يبطش بها. ورجله التي يمشي بها. وإن سألني أعطيته. وإن استعاذ بي أعذته". وإنها سبب للنجاة من المصائب والشدائد. أضاف: علي المسلم ألا يجعل عبادته موسمية وليحرص علي العمل الصالح في وقت الرخاء حتي لا يتخلي الله عنه في وقت الشدة. فقد جاء في وصية النبي لابن عباس رضي الله عنهما: "يا غلام. ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن. فقال: بلي. فقال: احفظ الله يحفظك. احفظ الله تجده تجاهك. أو قال: أمامك. تعرف إلي الله في الرخاء يعرفك في الشدة. إذا سألت فاسأل الله. وإذا استعنت فاستعن بالله. فإن العباد لو اجتمعوا علي أن يضروك بشئ لم يكتبه الله عليك لم يقدروا علي ذلك. جفت الأقلام وطويت الصحف".