سبعة عقود مرت على بداية العلاقات بين مصر وروسيا، والتعاون المشترك بين البلدين فى مجالات متعددة بدءًا بالطاقة والسياسة والتعليم والاقتصاد وصولا إلى شراء الأسلحة واليوم تبدأ زيارة لوفد عسكرى رفيع المستوى يترأسه المشير عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع والإنتاج الحربى لإبرام صفقة أسلحة سبقتها تكهنات كثيرة كان أبرزها أنها ستكون بتمويل من المملكة العربية السعودية. يرى الدكتور مصطفى السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن زيارة المشير السيسى لموسكو التى بدأت اليوم الأربعاء ولمدة يومين، تعد أهم زيارة يقوم بها مسئول عسكرى مصرى منذ حرب أكتوبر 1973، وتعكس التحول فى السياسة الخارجية المصرية فى جميع المجالات. وقال السيد ل"بوابة الأهرام" إنه سبق هذه الزيارة حديث عن صفقة عسكرية قيمتها 2 مليار دولار تقدمها روسيا لمصر بتمويل من المملكة العربية السعودية، ولكن كان هناك تردد نحو إبرام هذه الصفقة نتيجة لعدم رغبة السعودية إغضاب الولاياتالمتحدةالأمريكية، مشيرًا إلى أن إجراء هذه هذه الزيارة مؤشر على أن تحفظات السعودية قد زالت بالإضافة إلى أن التردد المصرى قد انتهى، مما يبشّر بفتح صفحة جديدة للتأكيد على حرية خيارات مصر. وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن زيارة السيسى ستؤكد على التخلى عن مبدأ الاعتماد على طرف واحد دون الآخر، وما يترتب على ذلك من علاقات سياسية وثيقة بين البلدين (مصر-روسيا). ولفت الى أن الزيارة تحمل بعدا سياسيا لا يقل أهمية عن الإستراتيجى، حيث إنه يُكسب المشير السيسى شعبية جديدة خاصة والعالم يترقب إعلان قراره بشأن خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة. وبسؤاله حول رد فعل الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها على هذه الزيارة، رجح الدكتور مصطفى السيد أن تواصل أمريكا تقديم المعونة العسكرية خلال الفترة القادمة، لارتباطها بشكل مباشر بمعاهدة السلام مع إسرائيل. ومن المقرر أن يجتمع وزيرا الخارجية والدفاع الروسيان سيرجي لافروف وسيرجي شويجو بنظيريهما المصريين نبيل فهمي وعبد الفتاح السيسي في موسكو غدا الخميس. وتأتى زيارة المشير السيسى بعد مرور أربعة أشهر على زيارة نظيره الروسى سيرجي شويجو لمصر فى نوفمبر الماضى، في أول زيارة لمصر منذ أوائل السبعينيات الماضية على رأس وفد كبير يضم الخارجية الروسي، وتم تحديد خلال المحادثات في القاهرة المهمات الأولية في التعاون المتبادل المنفعة في المجالين التجاري-الاقتصادي والعسكري-التقني، وكذلك التأكيد على تعزيز الشراكة بين موسكووالقاهرة لحل القضايا الملحة على الصعيدين الدولي والإقليمي ومواصلة تعميق التعاون الروسي-المصري المتعدد الاتجاهات. جدير بالذكر أن العلاقات الدبلوماسية أقيمت بين الاتحاد السوفيتي ومصر في أغسطس 1943، وشهدت تغيرات جدية كما تغيرت أولوياتها على الصعيدين الخارجي والداخلين بحيث أصبحت روسيا ومصر اليوم شريكتين على الصعيدين الثنائي والدولي. وتمت الخطوة الأولى للتعاون المصري الروسي في أغسطس عام 1948، حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصري بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتي. وشهدت العلاقة تطورات متلاحقة كان أبرزها بعد ثورة يوليو عام 1952 حين قدم الاتحاد السوفيتي لمصر المساعدة في تحديث قواتها المسلحة وتشييد السد العالي. وبلغت العلاقات الثنائية ذروتها في فترة الخمسينات – الستينات من القرن العشرين حين ساعد آلاف الخبراء السوفيت مصر في إنشاء المؤسسات الإنتاجية، وبينها السد العالي في أسوان ومصنع الحديد والصلب في حلوان ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي ومد الخطوط الكهربائية أسوان – الإسكندرية، وتم في مصر إنجاز 97 مشروعا صناعيا بمساهمة الاتحاد السوفيتي. وعلى الرغم من التوتر الذي شهدته العلاقات في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات وانقطاعها تماما حتى سبتمبر 1981 فانها بدأت في التحسن التدريجي في عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك. وفي الوقت الحاضر تم تطبيع العلاقات الروسية المصرية في كافة المجالات. وكانت مصر في طليعة الدول التي أقامت العلاقات الدبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وتتطور العلاقات السياسية على مستوى رئيسي الدولتين والمستويين الحكومي والبرلماني. وجاءت الزيارة الرسمية الأولي للرئيس الأسبق مبارك إلى روسيا الاتحادية في سبتمبر 1997، وقع خلالها البيان المصري الروسي المشترك وسبع اتفاقيات تعاون، وقام حسني مبارك بزيارتين إلى روسيا عام 2001 و2006 وأعدت خلالهما البرامج طويلة الأمد للتعاون في كافة المجالات والبيان حول مبادئ علاقات الصداقة والتعاون. ثم قام الرئيس فلاديمير بوتين بزيارة عمل إلى القاهرة في أبريل 2005، وصدر في ختام المباحثات الثنائية التي جرت في القاهرة البيان المشترك حول تعميق علاقات الصداقة والشراكة بين روسيا الاتحادية وجمهورية مصر العربية والذي يؤكد طبيعتها الاستراتيجية، واتخذت دورة مجلس جامعة الدول العربية في سبتمبر عام2005 للمرة الأولى في تاريخها قرارا باعتماد سفير روسيا في جمهورية مصر العربية بصفته مفوضا مخولا لدى جامعة الدول العربية. أصبح موضوع التعاون في ميدان الطاقة الذرية الموضوع الرئيسي للمباحثات التي جرت في موسكو يوم 25 مارس عام 2008 بين الرئيسين دميتري ميدفيديف وحسني مبارك وأسفرت عن توقيع اتفاقية حول التعاون في ميدان الاستخدام السلمي للطاقة الذرية. وفي يونيو 2009 جرت في القاهرة المباحثات بين الرئيس الروسي دميتري مدفيديف ونظيره المصري حسني مبارك، وتم بعد اختتام لقائهما التوقيع على عدد من الوثائق الخاصة بالشراكة الاستراتيجية بين البلدين، كما وقع الجانبان اتفاقية حول تسليم السجناء لقضاء محكوميتهم في الوطن ومذكرة تفاهم بين وزارتي الثروات الطبيعية في البلدين والبروتوكول حول التعاون في مجال التلفزة واتفاقية التعاون في مجال الرقابة على المخدرات وغيرها. أما بالنسبة للصعيد الاقتصادي فقد تقلص نطاق التعاون العملي في التسعينات، ولكن من الملاحظ أنه ينمو باطراد في السنوات الأخيرة، وقد بلغ حجم تبادل السلع والخدمات بين البلدين في عام 2006 حوالي مليار و950 مليون دولار، ويشكل التبادل التجاري منه قرابة المليار و200 مليون دولار.وقد ازداد حجم التبادل التجاري في السنوات الأربع بحوالي 5 أمثال. وهو يشكل الآن أكثر من ملياري دولار، وبلغ التبادل السلعي بين البلدين في عام 2008 حوالي 2.065 مليار دولار. وتشغل الخامات والمواد الغذائية وزناً نوعياً عالياً في الصادرات الروسية بينما تشكل المنتجات الزراعية والسلع الاستهلاكية البنود الأساسية في الصادرات المصرية. ويشهد التعاون بين مصر وروسيا في مجال الطاقة تقدم ملحوظ للتعاون الروسي المصري الأمر الذي يبدو واضحاً في ميادين استخراج وإنتاج النفط والغاز الطبيعي. ويرى العديد من الخبراء أن اختيار روسيا كشريك لتحقيق البرنامج الذري المصري أفضل من التعاون مع الولاياتالمتحدة في هذا المجال. وفى مجال التعليم، وقع وزير التعليم والعلوم الروسي فى عام 2005 مع نظيره المصري بروتوكولاً خاصاً حول تطوير التعاون الثنائي في مضمار التعليم العالي والعلوم وذلك أثناء زيارة العمل التي قام بها إلى القاهرة. وفي عام 2006 بدأت عملها في القاهرة الجامعة الروسية المصرية التي تأسست بمبادرة من الرئيس المصري حسني مبارك وافتتحت بالإسكندرية خلال مدة قصيرة. وفى نوفمبر الماضى، رفعت روسيا قرار رفع حظر السفر إلى المنتجعات السياحية المصرية، على ساحل البحر الأحمر مع وجود توقعات بأن يساعد رفع الحظر الروسي على زيادة الحركة السياحية الروسية إلى مصر بصورة كبيرة. وكما أكد المستشار عدلى منصور، رئيس الجمهورية أن المصريين لن ينسوا الإسهام الروسي فى السد العالي والصناعات الثقيلة وحرب أكتوبر، مشيراً إلى أن الموروث الإيجابي سيتم البناء عليه لتفعيل العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين القاهرةوموسكو، وسط استعداد روسيا للمساهمة فى تحقيق طموحات المصريين، مشيرا إلى أن استعادة الريادة والدور الإقليمي أساس إدارة العلاقات الخارجية للبلاد، مشددًا على رؤيته بأنها لا تعد بديلًا لأحد.