بفضل طفرة أسعار السلع خلال السنوات الماضية تمتع الاقتصاد الإفريقى بنمو قوى ولكن مع بقاء أسعار النفط منخفضة تدور تكهنات بشأن تأثيرها عليه. ووفقا لتقديرات البنك الدولي، انخفاض أسعار النفط قد يلحق بالاقتصاد الإفريقى أضرارا تفوق ما لحق به جراء انتشار وباء ايبولا . وذلك فى ظل تراجع الاستثمارات وعمليات التنقيب مع كون نيجيريا - أكبر منتج للنفط فى القارة السمراء - الخاسر الأكبر. ولكن كيف ستتأثر الدول الإفريقية التى شهدت اهتماما متزايدا من قبل المستثمرين الدوليين الذين استقطبتهم قصة الصعود الإفريقى وإمكانيات النفط والغاز ؟ أشار تقرير ووتر هاوس كوبرز لعام 2013 إلى أن قطاع النفط والغاز يشهد نموا قويا فى شرق إفريقيا، مع اكتشافات كبيرة فى موزمبيق، تنزانيا واحتمال وجود نفط فى أوغنداوكينيا. وهناك لاعبون آخرون فى السوق الإفريقى للنفط مثل ناميبيا وانجولا وجنوب إفريقيا وغانا وكوت ديفوار ونيجيريا والمغرب . ولكن وفرة المعروض من الخام وضعف الطلب العالمى بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة فى إنتاج النفط الصخرى فى الولاياتالمتحدة أدى إلى انخفاض الأسعار بأكثر من النصف، من حوالى 100 دولار للبرميل فى يوليو 2014 إلى 49 دولارا أواخر يناير 2015 . وفى شهر نوفمبر كان التراجع للشهر الخامس على التوالى وفى ذلك الوقت بدأت أجراس الخطر تدق.ومع بداية العام الجديد جاءت توقعات جولدمان ساكس لأسعار النفط لتدفع بمزيد من الانخفاض . يذكر أن أسعار النفط عادة ما تكون عرضة لتقلبات العرض والطلب، ولكن سعر 100 دولار للبرميل كان من المفترض لدى كثيرين انه مرتفع بشكل مصطنع. ومن هؤلاء الأمير السعودى الوليد بن طلال الذى قال إن العالم لن يرى مجددا سعر المائة دولار لبرميل الخام.على الجانب الآخر، أبدى البعض مخاوفه انه اذا لم تتدخل منظمة الدول المنتجة للنفط «أوبك» فقد ترتفع الأسعار إلى 200 دولار للبرميل لعدة سنوات. فى الوقت نفسه، التاريخ يقول إن السعر لن يتعافى قريبا، لاسيما أنه قد اختارت السعودية حماية حصتها السوقية بعدم خفض الإنتاج، وهو ما ساهم فى انخفاض الأسعار. وكانت دول عديدة قد وضعت خططا لزيادة النمو الاقتصادى والإنفاق العام بناء على مائة دولار للبرميل وهو المستوى الذى كان عنده سعر الخام فى شهر يونيو الماضى، والصورة تبدو قاتمة الآن بالنسبة للدول المصدرة مثل نيجيريا. وبحسب جولدمان ساكس، حوالى تريليون دولار من الاستثمارات العالمية مهددة ما لم تعد شركات النفط هيكلتها على وجه السرعة. ويعد سعر 70 دولارا للبرميل سعرا غير اقتصادى بالنسبة للمشروعات التى تم بالفعل اعتمادها فى الخطة. ووفقا لبرايس ووتر هاوس كوبرز إفريقيا وفرت 12٪ من النفط العالمى مع امتلاكها احتياطيات غير مستغلة بنسبة 8٪ من الاحتياطيات المثبتة. وفى عام 2011 بلغ حجم إنتاج إفريقيا 9 ملايين برميل يوميا، 81 ٪ من هذا الإنتاج جاء من نيجيريا، ليبيا، الجزائر، مصر، انجولا . ولكن الاضطرابات السياسية فى شمال إفريقيا أدت إلى خسارة أكثر من مليون برميل يوميا. وتعد نيجيريا من منتجى النفط الرئيسيين فى إفريقيا، ولكن هناك مناطق واعدة أخرى مثل ناميبيا، توجو، ليبريا. فى حين هناك مناطق تقلص فيها الإنتاج مثل كوت دىفوار وجنوب السودان . تقرير برايس ووتر هاوس كوبرز لفت إلى تطورات أخرى مهمة فى غانا التى قد تكون الأسرع نموا فى إنتاج النفط من المياه العميقة، الأمر استغرق 24 شهرا فقط لبدء الإنتاج. ومع ذلك، حتى عند مائة دولار للبرميل، فإن انتاج النفط والغاز فى إفريقيا سيكون بشكل أساسى فى الدول الخمس الكبار التى تمثل 87٪ من الإنتاج الإفريقى وذلك وفقا لجوبال كاونسل. ويمثل انخفاض أسعار النفط تهديدا «خطيرا» بالنسبة للدول الإفريقية المنتجة للنفط التى وضعت خططا استثمارية ضخمة لقطاع الطاقة. وعلى سبيل المثال، تحتاج كينيا إلى بناء بنية تحتية جديدة لتصدير إنتاجها النفطى المستقبلى، ولكن خططها الطموحة لربط إنتاجها بحقول النفط الأوغندية والجنوب سودانية ستتعرض لضغوط انخفاض الأسعار. ويقول محللون: إن التداعيات السياسية لإلغاء مشروعات النفط والغاز مدمرة . فى غانا على سبيل المثال (حاليا هى مصدر صغير للنفط وتأمل فى توسيع إنتاجها) انعكست آمال الجماهير فى الإيرادات النفطية فى خطط الإنفاق ولكن النتيجة الآن عودة صندوق النقد الدولى لتصدر المشهد وليس كما كان يحلم كثيرون بالنفط. وفى أماكن أخرى قد يكون هناك تداعيات على الاستقرار السياسى. انجولا بدأت بالفعل تخطط لإجراءات التقشف. لاسيما مع انتشار أقاويل بشأن فساد وخسارة مليارات الدولارات من أموال شركة النفط الحكومية. وكان تقرير لصندوق النقد الدولى قد أشار إلى إنفاق أو تحويل 32 مليار دولار من أموال الشركة خلال الفترة من عام 2007 إلى 2010 دون إدراجها فى الميزانية بما يمثل ربع الناتج المحلى الاجمالى للبلاد. مشكلات أخرى تعانى منها إفريقيا أشار إليها تقرير برايس ووتر هاوس كوبرز مثل تحديات التدخل السياسى، تقادم البنية التحتية، السرقة وجرائم أخرى مثل عدم الاستقرار السياسى والتأخر فى تمرير قوانين الطاقة والقواعد التنظيمية للقطاع. تقول الكاتبة الإفريقية ديسنى ماسى انه فى عام 2013 كان بعض الخبراء قد حذروا من اعتماد قصة الصعود الإفريقى على طفرة أسعار السلع، ولكن يبدو أن اقتصاد القارة السمراء أكثر تنوعا وربما يؤدى انخفاض أسعار النفط إلى اتجاه الاستثمارات إلى قطاعات أخرى لا تقل أهمية لاسيما مع شكوك المستثمرين بخصوص الاقتصاد الأوروبى وفرصة اجتذاب استثمارات جديدة . انخفاض أسعار الخام فى رأيها قد ينعش النمو فى أوروبا ويدفع بالاستثمارات العالمية إلى ملاذات آمنة قد يكون لإفريقيا نصيب منها. ///////////// ثورة النفط الصخرى بين الواقع والخيال: يقول مديرون تنفيذيون: إن شركات إنتاج النفط الصخرى بدأت تقلص عمليات الحفر بوتيرة سريعة قد تدفع إنتاج النفط الأمريكى الخام للانخفاض أسرع من المتوقع فى غضون أشهر فى إطار السعى لخفض التكاليف لمجاراة الهبوط الحاد فى أسعار الخام والمنافسة مع منتجى النفط فى منطقة الخليج. وسلم نحو عشرة رؤساء تنفيذيين لشركات بأنهم فوجئوا بحجم التخفيضات فى الإنتاج وسرعتها وأشاروا إلى أن موجة انخفاض الأسعار الحالية تختلف عما مروا به من قبل فى حياتهم المهنية. فالشركات تعمل على خفض التكاليف بدرجة أكبر وأسرع من ذى قبل مع زيادة اهتمام مستثمرى وول ستريت بالانضباط المالى لا بمجرد زيادة الإنتاج. وتقول بعض الشركات إن طبيعة النفط الصخرى تسهل مهمة الشركات فى تأجيل أعمال الحفر والانتظار حتى تتحسن الأسعار. وتشهد الآبار التى كانت السبب فى طفرة الطاقة الأمريكية على مدى السنوات العشر الأخيرة نضوبا سريعا ولذلك سينخفض الإنتاج الإجمالى ما لم يتم حفر آبار جديدة على الدوام ومواصلة استخراج النفط الصخرى. وقبل بضعة أسابيع فحسب كان الرأى السائد بين المطلعين على بواطن هذه الصناعة والمحللين هو أن إنتاج النفط الأمريكى سيواصل ارتفاعه لعدة أشهر رغم انخفاض أعداد الحفارات بسبب ارتفاع إنتاجية الحقول النشطة وقوة الدفع الذاتية لعمليات الحفر. ////////////// الاقتصاد الإفريقي: تشير توقعات بنك باركليز إفريقيا إلى نمو اقتصاد إفريقيا جنوب الصحراء بمعدل 2.1٪ هذا العام، فى تحسن واضح عن العام الماضى الذى نما فيه بنسبة 1.4٪، وذلك مدفوعا» بزيادة الإنفاق الاستهلاكي، انخفاض إضرابات العمال ومكاسب انخفاض أسعار النفط. ومن المتوقع أيضا النمو بنسبة 2.9٪ العام المقبل. ويتوقع البنك أن يكون معدل التضخم عند مستوى 3.8٪ هذا العام، مقارنة» ب 6.1٪ العام الماضى . وذلك بافتراض سعر 50 دولارا لبرميل النفط . وكان انخفاض أسعار الطاقة قد ساعد فى تباطؤ التضخم فى الشهور الأخيرة. وقد أبدى خبراء البنك ثقة فى قدرة الحكومة على تحقيق أهدافها المتعلقة بعجز الميزانية اعتمادا على تحصيل مستحقاتها «فى موعدها» والتزامها بقواعد التقشف.