اذا كان انخفاض اسعار النفط فى رأى البعض مؤامرة امريكية سعودية للنيل من روسيا بالقضاء عليها اقتصاديا، فإن التراجع الحاد الذى تشهده اسعار الخام منذ شهور يراه آخرون، ومنهم تقرير لمجلة الايكونومست، فصلا جديد من صراع المصالح فى سوق النفط العالمى حيث ترغب فيه السعودية فى إخراج النفط الصخرى من معادلة الطاقة. منذ بدايتها قبل سنوات قليلة كانت ثورة الغاز الصخرى الأمريكية مثار حسد عالم الأعمال. كميات وفيرة من النفط والغاز يتم استخراجها من باطن الأرض فى إطار معادلة أمريكية تماما، بداية من المهندسين ورجال الأعمال النشطين إلى أسواق المال المتعطشة للمخاطر. لكن الآن وبعد انخفاض الأسعار بحوالى 40٪ على مدار الستة أشهر الماضية تواجه شركات الطاقة الأمريكية العاملة فى هذا المجال اختبارا مصيريا. ------------ يرى محللون انه من دون تدخل منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك)، يمكن أن تصبح الأسواق أكثر عرضة لفقدان التوازن لان فائض العرض مقارنة بالطلب سيبلغ أوجه فى النصف الثانى من عام 2015 ومع ذلك تزعم الولاياتالمتحدة أنها غير متضررة من انخفاض الأسعار . كان كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأمريكى جيسون فورمان قد صرح بأن الولاياتالمتحدة ستواصل تعزيز إنتاج النفط لكن هبوط الأسعار العالمية سيبطئ وتيرة نمو الإنتاج قائلا: «حتى مع انخفاض الأسعار سنظل نشهد نموا لإنتاج النفط لكن بوتيرة أبطأ.» انخفاض أسعار الخام يفيد الولاياتالمتحدة فى رأى فورمان الذى يقول إن سعر النفط المنخفض يوازى خفضا كبيرا للضرائب للمستهلكين مما يسهم فى زيادة الإنفاق الاستهلاكى الأمر الذى تشير إليه جميع التحليلات من تأثير إيجابى على الاقتصاد الأمريكى نظرا إلى زيادة واردات البلاد من النفط عن صادراتها منه. فبحسب احصائيات يمكن أن يوفر انخفاض الاسعار ما يقرب من 008 دولار سنويا للمواطن الامريكى وهو ما يعادل زيادة راتبه بنسبة 2٪ فى المتوسط. لكن على صعيد البيزنس وشركات الغاز الصخرى سيتعين التأقلم مع الأوضاع الجديدة من عزوف المستثمرين عن أسهمها وسنداتها وسعر برميل الخام عند مستوى ال70 دولارا الأمر الذى يعزز فى النهاية نظرة بعض الخبراء بأن طفرة النفط والغاز الصخرى مثل فقاعة التكنولوجيا. وقد رأى تقرير لمجلة الايكونومست ان عزم المملكة العربية السعودية أكبر منتج للخام فى منظمة أوبك عدم خفض إنتاجها بعد انخفاض الأسعار سيلحق أكبر ضرر بشركات النفط الصخرى الأمريكية. التقرير أشار إلى انه عادة ما يدفع تراجع أسعار النفط شركات الطاقة إلى خفض استثماراتها ومن ثم ينخفض الإنتاج بما يساعد على استقرار الأسعار. وقال على سبيل المثال فى عام 1999 بعد الأزمة الآسيوية تراجعت الاستثمارات العالمية فى إنتاج النفط والغاز بواقع 20٪ بعدها بعشر سنوات وبعد الأزمة العالمية انخفض الاستثمار فى القطاع مرة أخرى بنسبة 10٪ غير انه تعافى فيما بعد. وهذه المرة سوف تتضرر شركات الطاقة الكبيرة مثل إكسون موبيل وشل . فبعد عشر سنوات من ضخ أموال حملة الأسهم أملا فى الاستفادة من كنوز القطب الشمالى والمياه الاستوائية العميقة بدأت الشركات تقلص ميزانياتها فى عام 2013 . ووفقا لشركة «سانفورد بيرستاين» البحثية فان مشروعات طويلة الأجل والمثمرة لما يوازى 3٪ من الإنتاج العالمى تم تأجيلها أو إلغاؤها، حيث تستند خطط معظم الشركات العملاقة الى سعر لا يقل عن 80 دولارا للبرميل. ومن ثم فمن المتوقع إجراء تخفيضات كبيرة فى استثمارات الشركات فى ضوء تراجع الأسعار. غير أن معظم العبء سوف يقع على صناعة الطاقة الصخرية الأمريكية التى كانت سببا رئيسيا فى وفرة المعروض بزيادة إنتاجها من 0.5٪ من الإجمالى العالمى فى 2008 إلى 3.7٪ اليوم . وهو ما استدعى إنفاقا سخيا حيث شكلت استثمارات النفط الصخرى ما لا يقل عن 20٪ من الاستثمارات العالمية فى النفط فى عام 2013 . وقد اختلف كبار رجال الصناعة حول قدرة شركات النفط الصخرى على تحمل تحدى انخفاض أسعار الخام فمنهم من رأى انه بإمكانه الصمود حتى 50 دولارا للبرميل وذلك حتى بعدما خسر 11 مليار دولار من ثروته منذ شهر يوليو الماضى حينما بدأت سلسلة التخفيضات. لكن البعض الآخر أكد وقوع أضرار بالغة للصناعة كلها فى حالة تراجع الأسعار أكثر من 70 دولارا للبرميل. ويمكن التأكيد على أمرين الأول أنه على المدى القريب جدا اقتصاديات الصناعة جيدة حتى مع انخفاض الأسعار. فالآبار التى تنتج النفط أو الغاز مربحة للغاية وذلك لأنها غطت معظم التكاليف. ففى ثمانى شركات كبيرة - أخذت كعينة - كان متوسط تكاليف التشغيل فى عام 2013 من 10 إلى 20 دولارا لبرميل النفط (أو ما يعادله من الغاز) ومن ثم لن تضطر حاليا أى شركة إلى تقليص إنتاجها . ولكن إنتاج آبار النفط الصخرى يتناقص بسرعة، بحوالى 60-70 ٪ فى عامها الأول وبالتالى سوف يتوقف تدفق هذا النفط فى غضون بضع سنوات . أما الثانى فهو ما يتعلق بشكوك حول جدوى الاستثمار فى آبار جديدة للحفاظ على مستوى الإنتاج الحالى أو زيادته مع بقاء الأسعار عند مستوى70 دولارا للبرميل. وتقدر شركة وود ماكينزى للاستشارات البحثية، أن «سعر التعادل» (تساوى التكاليف والإيرادات) للمشروعات الأمريكية تعتمد على سعر يتراوح بين 65 و70 دولارا للبرميل، (هذه الحسابات لا تشمل بعض التكاليف الثابتة مثل تشييد الطرق). وهكذا فإن بقاء الأسعار عند 70 دولارا للبرميل يشير إلى خفض الاستثمارات بنسبة 20٪ وتباطؤ نمو الإنتاج الأمريكى إلى 10٪ سنويا. وفى حالة انخفاضها الي60 دولارا يمكن أن تنخفض الاستثمارات بواقع النصف ويتوقف نمو الإنتاج تماما. ويعتبر محلل النفط فى بنك باركليز مايكل كوهين ضعف الميزانية العمومية لصناعة النفط الصخرى مؤشر سلبى على قوة الصناعة، ويوضح أن معظم الشركات تستثمر أكثر مما تجنيه وتمول الفجوة عن طريق إصدار السندات. وهكذا ووفقا لبيانات وكالة بلومبرج تضاعفت ديون شركات التنقيب والإنتاج الأمريكية المدرجة منذ عام 2009 إلى 260 مليار دولار أمريكى حاليا مما رفع حصتها من إجمالى السندات الأمريكية ذات العائد المرتفع والفاسدة 17 ٪. وإذا حدث عجز فى مصادر التمويل بجفاف أسواق الدين وانخفضت أرباح الشركات نتيجة للتراجع الحاد فى أسعار النفط فقد تبلغ فجوة التمويل 70 مليار دولار سنويا. وللخروج من هذه الأزمة ستلجأ الشركات إلى خفض ميزانياتها للاستثمار فى التنقيب وقد تخفضها بنسبة 50٪. فى عام 2013 ما يزيد على 25٪ من جميع استثمارات الصخر الزيتى ضختها شركات تعانى من مشاكل مالية (ديونها تزيد على ثلاثة أضعاف الأرباح التشغيلية الإجمالية). الأمر الذى يشير إلى احتمال إفلاس عدد غير قليل من الشركات الأمريكية. خلال الشهور المقبلة سوف يتبين مدى قدرة الشركات على تحمل أسعار النفط المنخفضة، لكنها الأزمات التى تدفع بموجة جديدة من الابتكار فى تقنيات التنقيب والحفر وخفض التكاليف.