أتمنى، وليس كل ما يتمناه المرء يدركه، أن تسجل بعثة صندوق النقد الدولى، التى تبدأ زيارتها الرسمية لمصر خلال ساعات، فى تقريرها الذى سترفعه لرئاسة الصندوق لدى عودتها.. أن الشعب المصرى هو أول شعب فى العالم يغنى لصندوق النقد فى أغنية عنوانها «صندوق النقد يا صندوقه..!! ------ وقد سبق أن خصصت مقالا كاملا، نشرته فى نفس هذا المكان، عن هذه الاغنية العبقرية التى ألفها ولحنها ووزعها وغناها الفنان ياسر المناوهلى، التى يقول مطلعها: « صندوق النقد يا صندوقه.. سمه فى الشهد مين يدوقه.. يابانى لى بيتى.. يا زارع لى غيطى.. من غيرك إنت العيشة كحيتى ..! « والاغنية طويلة وكلماتها تسخر من الصندوق و»عمايله» ومحاولته فرض شروط قاسية على الشعب المصرى.. وهى رسالة مهمة من ضمير الشعب المصرى أتمنى أن تصل لمسئولى الصندوق الذين يفرضون من مكاتبهم المكيفة «روشتة « واحدة للاصلاح الاقتصادى لكل الدول، دون أن يراعوا الظروف الاجتماعية والثقافة والعادات والتقاليد، التى تختلف من شعب لآخر، بل تميز كل شعب عن الاخر. ولذلك قامت مظاهرات فى العديد من دول العالم ضد سياسات الصندوق، لكن لا حياة لمن تنادى..! ولأن المقام لا يتسع لذكر العديد من التجارب الفاشلة للصندوق فى العديد من دول العالم، خاصة فى امريكا الجنوبية.. لذلك سأركز هنا على التجربة المصرية مع صندوق النقد، التى كانت ناجحة بكل المقاييس لسبب جوهرى هو أن الصندوق تنازل عن بعض شروطه مراعاة للبعد الاجتماعى، نتيجة لضغوط الحكومة المصرية فى عهد الرئيس الاسبق حسنى مبارك، مما ساعد على الخروج من عنق الزجاجة بعد تصحيح بعض جوانب السياسات المالية والنقدية وتحرير سعر الصرف، ورفع جزء من الدعم عن بعض السلع.. الى آخر تلك الاجراءات التى ساعدت الاقتصاد المصرى على التعافى نسبيا؛ حتى إن مصر رفضت الحصول على الشريحة الاخيرة المقررة من قروض الصندوق. والحقيقة أن «مفتاح» النجاح فى التعامل مع صندوق النقد، كما أثبتت تجربتنا السابقة، يكمن فى عدم الانصياع بالكامل لشروط الصندوق، التى تمليها روشتته الدائمة، لكن لابد للحكومة الحالية أن تؤكد لمسئولى الصندوق، كما أكدت الحكومات السابقة، أن «أهل مصر أدرى بشعابها»، وبالتالى لابد من الأخذ برؤية مصر فى كيفية الموازنة بين تطبيق روشتة الصندوق، وما يتناسب مع ظروفنا الاجتماعية قبل الاقتصادية، وليس عيبا أن تستفيد حكومة المهندس محلب من تجربة الحكومات فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك فى التفاوض مع الصندوق؛ فالمهم هو مصلحة مصر وشعب مصر. وما من شك فى أهمية الاتفاق مع صندوق النقد وتوقيع خطاب النوايا معه قبل المؤتمر الاقتصادى المقرر عقده فى فبراير القادم، حتى يكون خطابنا لكبار المستثمرين المشاركين فى ذلك المؤتمر أكثر إقناعا.. فالاتفاق مع الصندوق يعنى لنا الكثير سواء فى مجال جذب الاستثمارات المباشرة، أو الاقتراض بشروط أكثر يسرا من المؤسسات المالية الدولية، أو حتى فقط للتأكيد أننا نسير فى الاتجاه الصحيح. فعيشتنا مع الصندوق ستكون أفضل، بلاشك، ولن تكون أبدا «عيشة كحيتى»، كما تقول أغنية «صندوق النقد يا صندوقه» لفناننا ياسر المناوهلى.!