حوار ميرفت فهد «الموسيقى غذاء الروح»، مقولة قديمة قدم اكتشاف الإنسان لهذا النوع من الإبداع التى يغازل القلوب والعقول معا، وربما يعود ولع الإنسان بالموسيقى إلى أول مخلوق أحدث صوتا منغما وهو «الصفير»..ففى الأثر أن الملائكة حارت ماذا تكتب هل الصفير هذا حلال أم حرام يليق أو لا يليق، فسألوا رب العزة فقال لهم: اكتبوه صفيرا وعلىَّ التقدير..تاريخ الموسيقى طويل قديم كما قلنا، ولكننا الآن بصدد الموسيقى القبطية المصرية، فكل من على أرض مصر قبط والتى أخذ منها كله EGYPT، أمل صاحب الأرض ومعمرها، مهما كانت عقيدته. ولما كانت للموسيقى جلال وجمال اتخذتها الكنيسة إحدى وسائل التواصل مع الرب الخالق سبحانه، لتدور فى رحاها الروح فى مشوار تواصلها النورانى مع خالقها..والظاهرة اللافتة للنظر هى عملية إحياء تلك الموسيقى مرة أخرى، وكأن إنسان العصر قد لجأ إليها لتخلص من الهموم والأعباء وماديات الحياة الثقيلة..فها هى صفحات التواصل الاجتماعى تواصل الاهتمام المتزايد بتلك الحالة الروحية التى يتردد صداها لدى الفرق الموسيقية لتكون بدورها ظلا جميلا للأناشيد الكنسية التى تسمو بالروح.. وها هو الدكتور ماجد عزت أستاذ التاريخ الحديث يختصنا ل«الأهرام العربى» بحوار رائع القسمات عن ذلك النوع من الموسيقى المقدسة، فقد شهدت الموسيقى القبطية فى العصر الحديث تطورا فى بعض جوانبها بدءا من جذورها وانتمائها للحضارة المصرية القديمة و أدواتها البدائية المحلية و الحديثة الواردة، و هو ما أدى إلى تنوع ألحانها وقداساتها وتراتيلها الموسيقية. وأصبح لكل منها رواده. "إحياء الموسيقى القبطية".. ماذا يعنى بذلك؟ " إحياء الموسيقى القبطية" هو مصطلح يدل على تجميع مصادرها القديمة وإعادتها إلى سابق عهدها وبعثها من رقدتها و العودة بها إلى تقاليدها الأولى، من حيث طابعها وأصالتها ورصانتها مع الحفاظ على تفاعلها مع منجزات العصر. بمعنى آخر أى العودة إلى عزف ألحانها القديمة وربطها بذوق العصر. وقد بدأت أنظار العالم كله حاليا تتجه إلى تراثها الخالد الذى حفظته الكنيسة على مدى عشرين قرنا من الزمان على تقلباته من عهود رخاء واضطهاد، وسلمته جيلا بعد جيل فيما عرف بالتواصل أو التواتر بين الأجيال أو محاكاة التراث الشفاهى عبر القرون الطويلة. و لاتزال حتى يومنا هذا تحتفظ بألحان تجاريى ذوق العصر. ويمكن تطويعها للأداء الفنى الذى يتناغم مع الحس الموسيقى ويجتذب الأذان ويلقى ما كان يلقاه فى عهده الأول من توجه للسماع والتأثر جامعا بين الألحان القبطية والترانيم المنشدة. ما جذور الموسيقى القبطية؟ إذا رجعنا إلى الماضى الغابر أو بالتحديد إلى عصور ما قبل التاريخ، نستطيع أن نجد لوحات منقوشة من عمل الإنسان الأول تدل على أن إنسان تلك العصور قد عرف الموسيقى فى طورها البسيط غير المركب. وتشير الصور المنقوشة على جدران المقابر والآلات الموسيقية التى عثر عليها فى مصر، على أن المصرى القديم كان منذ فجر التاريخ يميل بطبعه إلى الغناء والموسيقى ويمارسهما فى المناسبات التى تعرض لحياته الاجتماعية وفى العديد من طقوسه الدينية. ما الذى يؤكد الترابط بين الموسيقى القبطية والموسيقى المصرية الفرعونية القديمة؟ هناك من القرائن ما يرجع بالموسيقى القبطية إلى الموسيقى المصرية الفرعونية القديمة بحيث تعد الموسيقى القبطية، أقدم تراث موسيقى مصرى انتقل عن طريق التواتر الشفهى و الحفاظ على الطقوس الدينية من عقائد المصريين القدماء ممثلة فى جانبها الترتيلى الموسيقى بحيث امتد بسماته الفنية إلى الموسيقى القبطية. وهى نفسها الموسيقى التى كان يعزفها و يترنم على ألحانها المصريون القدماء مثل لحن "الجلجثة" الذى يرتله رجال الدين المسيحى فى يوم الجمعة العظيمة بعد صلاة الساعة الثانية عشرة وهم يدفنون صورة السيد المسيح المصلوب كوسيلة إيضاح تمثيلا لدفنه. وهو بعينه اللحن الذى كان يستخدمه الكهنة الجنائزيون فى مصر القديمة أثناء تحنيط الجثة و دفنها دون دلالة الكلمات. كما أن لحن "بيك ثونوس" و معناه "عرشك يا الله" والذى ترتله الكنيسة فى يوم الجمعة العظيمة، أيضا هو بعينه نفس اللحن الذى كان يزف به الفرعون عند موته، حيث كان ينزل من القبر إلى مركب الشمس ليدور مع الشمس فى الخلود و الحياة الأبدية. إذن ماذا عن الألحان القبطية؟ الألحان القبطية هى ذلك التراث التسبيحى الذى حفظته الكنيسة القبطية على مدى ألفى عام. وكانت وسائل حفظها هى ترديدها فى الصلوات والصوم والمطانيات. واستطاعت الكنيسة أن تحفظ هذه الألحان ألفى عام رغم عدم تدوينها موسيقيا وبرغم عدم توافر أجهزة التسجيل التى انتشرت فقط فى هذا القرن. فاعتمدت الكنيسة على التراث الشفاهى فى حفظ هذه الألحان وأوجدت من أجل هذا المرتلين. وهم عادة ما يكونون من مكفوفى البصر لقدرة ذاكرتهم عى اختزان هذا القدر الكبير من الألحان التى يصل عددها إلى حوالى 575 لحنا وتتراوح المدة الزمنية لكل منها ما بين نصف دقيقة و عشر دقائق..ويعتبر تناقل التراث الشفاهى لحفظ هذا الكم من الألحان القبطية من الألوان المبهرة. وقد ساعد على وجودها إصرار الكنيسة القبطية التقليدية على عدم التفريط فى كل ما تسلمته من الآباء الرسل دون أدنى حياد عنه، بحيث اتصف بسمات لم يتعرض للتغريب. بل يذهب البعض إلى أن بقاء تراث الألحان القبطية طيلة هذه القرون يفوق إن لم يضاه معجزة بقاء آثارنا الفرعونية. وأعتقد بعض الباحثين فى مجال الموسيقى القبطية أن الألحان الكنسية قد اكتملت فى القرن الخامس الميلادى بعد أن انتشرت الديانة المسيحية بين المصريين جميعا. وبدأت تتكون معها ملامح الصلوات و الطقوس. وأخذت فى التطور التدريجى حتى استقرت. ومما يؤكد ذلك اكتشاف أقدم نوتة موسيقية فى ذات الفترة. ما الآلات الموسيقية القبطية؟ عرف الإنسان منذ آلاف السنين كيف يستخدم صوته فى أداء جمل وعبارات موسيقية مرتبة ومنظمة فى أبسط صورها. ورنم و رتل فى صياغة موسيقية بسيطة مقاطع لفظية بحروف كون منها كلمات وعبارات كانت فى ذلك الوقت كافية لإشباع حاجاته و لتحقيق غاياته وممارساته الموسيقية المتواضعة، حين يعجز صوته بإمكانياته المحدودة عن تحقيق الكفاية و الكفاءة اللتين يرجوهما. ومع تقدم التاريخ وبزوغ الحضارة الفرعونية تطور الفن الموسيقى بحيث واكب التقدم التاريخى. ووافقت الموسيقى فى انتقالها من البساطة إلى التركيب التطور العقائدى للمصرى القديم بحيث صاحبت طقوسه الدينية فى المعابد وقصور الملوك. واتسعت حتى أصبح فى إمكانه أن ينقل عن طريقها أحاسيسه ورغباته إذا لم تساعده الكلمة على ذلك أو لم يسعه التعبير بها. وقد عرفت الموسيقى القبطية العديد من الآلات الموسيقية بأنواعها المختلفة من قبيل آلات الطرق أو النقر وذوات النفخ والآلات الوترية، وهى الآلات التى استخدم معظمها الفراعنة منذ آلاف السنين. وظلت كما هى من حيث طريقة صناعتها البسيطة وكيفية استخدامها واستخراج الصوت منها دون تعديل حتى يومنا هذا. ما طرق أداء الألحان القبطية؟ فيما يتعلق بطرق أداء الألحان القبطية نذكر منها: التسبيح فى خورسي والتسبيح بطريقة الرد و التسبيح الجماعى و التسبيح المنفرد. من هم أشهر رواد الموسيقى القبطية؟ من أشهر رواد الموسيقى القبطية راغب مفتاح. ففى سبيل المحافظة على سمات اللحن القبطى، سافر إلى إنجلترا عام 1927 ليستعين بخبراء الموسيقى. وفى ثلاثينيات القرن العشرين، اختاره المرتل ميخائيل جرجس البتانونى كبير مرتلى الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالأزبكية، وذلك من بين كثير من المرتلين المشهورين فى جميع أنحاء البلاد لتسجيل طقوس وألحان الكنيسة القبطية كنوتة موسيقية على ورق. فبلغ ما سجله راغب مفتاح 16 مجلدا. ولإنجازاته فى جمع وحفظ الموسيقى والألحان القبطية، قام قداسة البابا شنودة الثالث بمنحه الدكتوراة الفخرية فى عام 1984. وفى 18 يونيه 2001، رحل راغب مفتاح عن عالمنا عن عمر يناهز 102 عاما.