⢴ رشا عامر وصفوه بأنه من حمائم العراق وليس من صقورها وبأنه الحل الذى سينجى البلاد وشعبها من ظلامية الوضع، هناك مراهنون بذلك على تاريخه التكنوقراطي والسياسي المسالم، إنه حيدر العبادى الذى اختير لرئاسة الوزراء فى العراق خلفا لنورى المالكى الذى لم يكن مستعدا لقبول أي حل وسط، برغم أنه كان على علم بأنه قد تم اختيار بديل له، ولكنه أراد أن يقاتل حتى آخر لحظة ممكنة معتقدا أن كل صوت حصل عليه في الانتخابات السابقة يستحق معركة خاصة، برغم محاولات الجميع إقناعه بالاستقالة، مما دعا به للظهور في خطاب تليفزيوني «ناري» هاجم فيه خصومه واصفا إياهم ب «الدواعش السياسيين»، وأنه سيحاربهم كما يحارب «الدواعش العسكريين، في إشارة إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» وذلك بعد أن حسمت الكتل السياسية الشيعية، ممثلة ب «التحالف الوطني» الذي يمثل عمليا مظلة سياسية لكل شيعة العراق، خياراتها، ووقع اختيارها على القيادي في حزب الدعوة حيدر العبادي ليكون مرشحها لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، مما حدا بالرئيس العراقي فؤاد معصوم على الفور بتكليف العبادي، بموجب المادة 76 من الدستور العراقي، بتشكيل الحكومة. أخيرا جاء حيدر العبادى بتأييد دولى وعربى وعراقى وإيرانى أيضا، لم يكن تأييدا لشخص العبادى قدر ما هو رغبة فى التخلص من سوء إدارة نوري المالكي، الذى مثل كارثة على كل المستويات في العراق دعت إلى هذا التأييد للعبادى، مما يعنى مسئولية كبرى تقع على عاتقه متمثلة فى وضع كل سيئات إدارة المالكي أمامه وإبعاد كل من له علاقة بالفساد وممن لا خبرة لهم سوى أنهم من المقربين، ولعل فوز أقرباء المالكى في الدورة الانتخابية الأخيرة على ملاك كتلة حزب الدعوة واستبعاد أعضاء سابقين فيه هيأ لهذا الانشقاق على المالكى نفسه. ولد حيدر العبادي وعاش ودرس في بغداد وهو من عائلة ميسورة، فوالده جواد العبادي طبيب معروف داخل العراق، وكان من الأطباء الذين يتعاونون مع المرضى الفقراء ومعروف بعمل الخير، كان من ضمن القائمة التي أقالها صدام حسين بعد تسلمه السلطة من أحمد حسن البكر أي في 1979. درس العبادي الابتدائية والإعدادية والثانوية وكذلك الهندسة - قسم الكهرباء - ببغداد، ثم غادر إلى بريطانيا فى بداية السبعينيات لإكمال الدراسة في جامعة مانشستر بالتخصص نفسه، فأكمل الدكتوراه عام 1980 وظل يعيش في لندن، وذلك في ظل الأجواء التي تعرضت لها الأحزاب الدينية في العراق. وفي 1982 أعدم نظام حزب البعث اثنين من إخوته بتهمة الانتماء لحزب الدعوة الإسلامية، بينما سجن الثالث لمدة عشر سنوات بنفس التهمة، وكان العبادى قد انضم لحزب الدعوة الإسلامية عام 1967 قبل أن يصبح مسئول المكتب السياسي للحزب والمتحدث الرسمي باسمه، ينظر الجميع للعبادى على أنه ليس حزبيا بالمعنى المألوف من التعصب والتزمت. فهو - على حد تعبير عزت الشهبندر النائب السابق فى البرلمان العراقى والخبير بشئون حزب الدعوة - رجل مدني من عائلة بغدادية، ومن المتوقع أن ينفتح على حياة سياسية جديدة وليست حياة قروية ولا حياة حزبية من النوع الذي ألفه الجميع سابقا. وترى صحيفة لوموند الفرنسية أن تكليف العبادى لم يكن مفاجأة، بل إن اختيار السياسي البالغ من العمر 62 عاما جاء بناء على الثقة فيه كشخصية قادرة على إحداث التقارب برغم وصف عادل بقوان - المتخصص فى الشئون العراقية بفرنسا - له بالضعف، وأن ذلك الشىء الوحيد الذى لا يراه الجميع ماعدا المالكى وأتباعه، ولذا جاء اختيار العبادى لكى يستطيع الشيعة فى العراق السيطرة على الأمور باعتباره ليس جزءا من العوائل الشيعية ولا يتمتع بدعم شعبي أو رأس المال مالي أو اجتماعي كبير، فضلا عن أن مسيرته السياسية لا تعطيه هالة خاصة، ولكنه يحظى بعلاقات جيدة مع كل من الأكراد والسنةوالشيعة داخلياوالولايات المتحدةوإيران، وهو بالضبط حالة المالكي قبل توليه منصبه. ولذا فإن المحللين السياسيين يرون أن اختياره هو الأفضل برغم أنه جاء في توقيت صعب وفي ظل تحديات كبيرة يأتى على رأسها ضم السنة والأكراد للحكومة الجديدة ورأب الصدع في العلاقات بين أتباع الطوائف الدينية المختلفة، فضلا عن تغلغل الفساد على نطاق واسع وانعدام الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والتشرذم الديني والعرقي وسيطرة الجهاديين فى الدولة الإسلامية على مناطق واسعة من المحافظاتالعراقية الخمس، وأنه إذا لم يمنح السنة المشاركة السياسية الفاعلة سيكون من الصعب للغاية معالجة المشاكل الخطيرة التي تؤثر على العراق. فالعشائر العربية السنية في شمال وغرب العراق لها وزن كبير فى صناعة القرار السياسي العراقي عبر الكتل العربية في البرلمان أو عبر القيادات العسكرية في الجيش العراقي التابعين لها. ولا ننسى الشعور المتزايد لدى السنة بأن المالكي مارس التمييز ضدهم، الأمر الذي نتج عنه أن الكثيرين صاروا يرون في تنظيم «الدولة الإسلامية» أخف الضررين مقارنة بالحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد والذين نفد صبرهم هم أيضا أمام تقدم المقاتلين المتشددين لتنظيم «الدولة الإسلامية» وانهيار القوات الحكومية، خصوصا أن المتطرفين سيطروا على ربع العراق، مما أغضب حتى حلفائه الشيعة، وخصوصا حليفته إيران التي باتت مصالحها الإستراتيجية في خطر. ومن المفارقات أن تلتقي مصالح طهران وواشنطن في الملف العراقي تأكيدا لمقولة: في السياسة لا توجد عداوة دائمة، وإنما مصالح دائمة، لذا سرعان ما قررت أن الوقت قد حان للابتعاد عن المالكي والبدء بالبحث عن بديل بعد رؤيتها تقدم «الدولة الإسلامية» في شمال العراق واحتمال امتداد أعمال العنف عبر الحدود. وهكذا أعلن الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي تأييده لرئيس وزراء العراق الجديد المكلف حيدر العبادي، معلنا أن طهران لم تعد تؤيد حليفها القديم نوري المالكي. تبقى نقطة مضيئة لصالح حيدر العبادى أمام كل هذه الفواجع، وهى أنه شخص ودود للغاية وواقعي جدا على حد وصف الصحيفة الفرنسية، ولعل ذلك يتضح جليا بعد أن استهل تصريحاته في منصبه الجديد بالتأكيد على عدم رغبته في قطع وعود غير واقعية، مشيرا إلى أن التحدي الأول الآن يتمثل في تشكيل حكومة تحظى بالقبول لدى الأطراف المختلفة، وهو أمر يجب أن يحصل وفقا للدستور خلال 30 يوما كحد أقصى، لذا فالموقف الدبلوماسي يمكن أن يساعد على التعامل مع الوضع الحالى،كما أنه يفترق عن الآخرين بميزات عديدة قد تؤهله إلى تصحيح ما ارتكبته إدارة المالكي، فهو بداية لم يشترك في أيّ عملية عسكرية لا من داخل العراق ولا من إيران، كما لم يشترك فى عمليات التفجيرات التي كان يمارسها المتشددون الإسلاميون على الأراضي العراقية، بمعنى أنه لم يكن مسئولاً عسكرياً ولا أمنياً ولا ضمن المتدربين في معسكرات سرايا الدفاع السورية بداية الثمانينيات، فالعمل العسكري والأمني بالنسبة للجماعات السرية يعنى ممارسة الكراهية والبغضاء لأنهم إما قاتل أو مقتول. ولكن على العكس، كان الأمر مختلفا بالنسبة للعبادى الذى لم يكن التدين بالنسبة له هو المشاركة فى كل ذلك، بل إن عمله الأكبر كان في الجانب الثقافي لدرجة أنه في منتصف التسعينيات دعا إلى إقامة ندوات يشترك فيها غير المتفقين فكرياً مع حزب الدعوة للتناقش والوصول إلى حلول ترضى جميع الأطراف. الغريب أن العبادي كان غير موجود في السباق الذي ضم عدة أسماء صعبة مثل عادل عبد المهدي وإبراهيم الجعفري وأحمد الجلبي وقصي السهيل وطارق نجم. وبرغم أنه كان معروفًا للإيرانيين فإنهم لم ينظروا إليه أبدًا كمرشح لرئاسة الوزراء قبل أن يعودوا ليؤكدوا أنهم سيدعمون الاسم الذي لن يثير مخاوف السنة والأكراد، خصوصا بعد التصريح المستتر للسيستانى الذى قال فيه للمقربين منه «يجب ألا يستمر نوري المالكي رئيسًا للوزراء» فى رسالة واضحة للإيرانيين لأنه يعتقد أن الأزمة في البلاد تحتاج إلى حل، وأن الطريق المسدود من شأنه أن يعقّد الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق. فى النهاية فإن ما يفيد في حياة حيدر العبادي هو أنه لن يفارق أو يترك اختصاصه العلمي، وهذا ما يحتاج إليه العراق تماماً كتشكيل حكومة كفاءات (تكنوقراط) تتمكن من وقف التدهور الحاد في شتى مجالات الحياة إذ يجب أن نذكر أنه تولى رئاسة مؤسسة تعني بتكنولوجيا النقل السريع، وفي عام 2001 تم تسجيل براءة اختراع له بلندن في المجال نفسه، حيث شارك في تصميم ناقل مشاة إلكتروني لجسر الألفية الثالثة في لندن 1999، وحصل على منحة الإبداع من وزارة التجارة والصناعة البريطانية.