رائحة الخيانة فاحت وطفحت وعبأت الوطن كله، وكأننا كنا ناقصين خيانة، تلك العصابة التى ضحكت على ذقون المصريين، وكأن قفا المصرى ناقص ضربات وخبطات لنكتشف أن القريب والمناضل والحبيب والغريب، ومن ضيعنا عليهم العمر فى حروب من أجل قضيتهم يشتركون ويتفوقون على أتباع النظام السابق فى الخيانة. نعم.. ليست الخيانة فقط فى بيع الوطن والدين والشرف والعرض، فقد عشنا من قبل وعلى مدى أكثر من ثلاثين عاما فى خيانة من نوع فريد هى استباحة إنسانية المواطن المصرى الذين مصوا دمه ورموه فى مستنقع الفقر والجوع، والجهل والمرض حتى اتعدم العافية. وإذا كنتم نسيتم سكان المقابر الذين رغماً عن أنفهم وتحت وطأة انفتاح السادات، شاركوا الأموات عيشتهم، واستمر الفساد فى عصر المخلوع الأول حتى طفحت المقابر بالأحياء قبل الأموات فانتشروا بعشوائية حول حزام القاهرة يفصلهم عن أغنياء الفساد شوارع وفارق فى الحياة بين السماء والأرض بين فحشى الثراء الحرام وفحشى الفقر وضياع الحق والدين والشرف. لا تحاكموا مبارك وشلته على الكسب غير المشروع ولا على قتل المتظاهرين، ولكن حاكموهم على التفريط فى حق الشعب وخيانتهم للحق والعدل والعدالة الاجتماعية والجهل الذى أصاب أجيالا وأجيالا. خيانة شعب على أرض فرعون لم يهتم بشعبه، أهمله حتى الثمالة والنسيان وتخيل من ألوهيته الصنمية أن مصر عزبة يمكن أن يورثها لأبنائه وأحفاده، وتقديم شعبه قربانا منبطحا أمام قوى الاستعمار الصهيو أمريكى. حاكموا مبارك وأولاده وأعوانه على تلك الخيانة التى أوصلتنا لتلك العصابة الإخوانية الشيطانية التى خطفت الشعب والأرض من الفرعون الأول، وكأنهم قراصنة وميليشيات سطوا على سفينة الوطن، من قائد جعل ركاب السفينة عبيد عدم إحسانه، فكان السطو سهلاً والأرض ممهدة. ليس معناه أن خيانة قراصنة الدين يمكن أن تنسينا خيانة مبارك وأهله وعشيرته ورجاله لأمانة الحكم والتفريط. فالخيانة ورائحتها أنواع، هناك خيانة التفريط فى حق الرعية، وهذا النوع الأول الذى عشناه على مدى ثلاثين عاما وأكثر، وهناك خيانة التعامل مع العدو والتخابر والتجسس، وهى خيانة وإن كانت أعظم إلا أنها لا تقلل من فجر الخيانة الأولى. لابد من أشراف البلد من القضاة والحكام الجدد وقادة القوات المسلحة وضع الخونة بدون استثناء ولا رحمة فى زنزانة واحدة. وليس معنى اهتمامنا بالخيانة الجديدة، نسيان الخيانة القديمة، قوم يا مصرى ولا تنس أن الخائن الأول أوصلنا للخائن الثانى، وكل خائن بدون قانون فوق رقبته يمكن أن يخلق خونة آخرين، أملنا كله فى الله من قبل ومن بعد، ثم دستور يفعَّل ويطبق على الكبير قبل الصغير، وإلا ضاعت دماء الأولاد والأحفاد هدراً دون قصاص، فهذا هو القصاص يا مصرى.