أمنية عادل - يعترف بأنه قد بدأ فعليا فى تنظيم قانون لإلغاء عقوبة الحبس فى جرائم النشر، لكنه تراجع وفقد حماسته، والسبب كما يقول: وجود قطاع فى المؤسسات الصحفية لا يلتزم بالحيادية والموضوعية، وهكذا جعل المستشار أحمد مكى وزير العدل من خطأ «البعض» ذريعة لاستمرار سيف العقوبة مسلطا على أقدام ورقاب جميع الصحفيين، برغم أنه صاحب مشروع إنشاء مجلس وطنى للإعلام، يضع معايير وضوابط للإعلام لا تتعارض مع الحريات. مفاجآت أخرى عديدة يفجرها المستشار مكى فى هذا الحوار المثير، فهو يؤكد أنه لا حل لحالة الانفلات الأمنى، إلا من خلال قانونه الجديد للطوارئ، ويحلم بقضاء القانون الموحد، ويصر على تطهير القضاء. المستشار مكى وصف محاولة «أخونة القضاء» بأنها أوهام، وأكد أن تكريم طنطاوى وعنان لا يمنع من تقديمهما للمحاكمة، وأعلن لنا أن التحقيقات مع المستشار عبدالمعز إبراهيم فى قضية التمويل الأجنبى - إذا تمت - ستكون سرية حرصا على الثقة فى القضاء. لكن أخطر ما قاله «الحريات لمن يستحقها» .. الحديث عن استحداث قانون للطوارئ أثار جدلا واسعا باعتباره عودة إلى الوراء؟ هذا فهم خاطئ سببه خلط الأوراق ما بين قانون الطوارئ وما تم من إلغاء حالة الطوارئ، فقانون الطوارئ رقم 192 لسنة 1958 مازال قائما لم يتم إلغاؤه حتى الآن، وما نتحدث عنه اليوم هو إدخال تعديلات تتلاءم مع الأوضاع الأمنية التى تمر بها البلاد اليوم، خصوصا فى بعض المناطق المرتبكة كسيناء وما شابهها من مناطق تحولت بمرور الوقت إلى بؤإ إجرامية تشكل خطورة على أمن الأفراد والأمن القومى، فالحديث كان بصدد إلغاء قانون سيىء السمعة إلى قانون أفضل على علم أنه لا يخلو بلد فى العالم من قانون الطوارئ، فهو أشبه بغرفة الإنعاش أو سلم الطوارئ ولا يمكن الاستغناء عنه، بدليل وجوده فى دستور 1958 و1971. هل هذا يعنى أن قانون الطوارئ الجديد الحل الأمثل لحالة الانفلات الأمنى؟ بالطبع، هذا أمر لا مناص منه، خصوصا إذا علمنا أن حالات الخطف الآن تعادل أربعة أمثال ما كانت عليه فى 2010، وتستوجب ضبطا قضائيا لأشخاص بموجب قانون الطوارئ، الأمر ذاته بالنسبة لسرقة السيارات وغيرها من جرائم السرقة والقتل. لكن هناك مخاوف من استخدامه كمقصلة جديدة للحريات؟ هذا غير وارد على الإطلاق، لأن القانون الجديد هو تنقية وتطهير لمساوئ القانون القديم، ويعطى جميع الحقوق القانونية والإنسانية للأفراد بما يضمن تقنين حالة الاستخدام فلا يجوز اعتقال أى شخص إلا بذكر الأسباب وبعد سبعة أيام له حق التظلم أمام القضاء. كنتم بصدد إصدار قانون إلغاء الحبس فى قضايا النشر لم ير النور حتى الآن.. فما السبب؟ السبب هو أن أحوال الصحافة المصرية من حيث آليات وأدوات التحقق من صحة الأخبار والالتزام بحرية الانتقاد الموضوعى بعيداً عن المساس بالأمور الشخصية للأسف ليست على ما يرام، فبات الهوى يسيطر على الإعلاميين حتى أصبحوا يسوقون أوهاماً وافتراءات كاذبة، وإذا كان هناك من ينادى بحرية الصحافة والإعلام، فأقول له إن الحرية والضمانات لمن يستحقها لا لمن تحكمه الأهواء والمواقف المسبقة، فالإعلام أداة لتشكيل الوعى وليس لتزييف وتضليل الرأى العام. لا أنكر أننى كنت متحمساً لإصدار قانون جرائم النشر، ولكن تكشف لى وجود قطاع فى المؤسسات الصحفية لا يلتزم بالحيادية والموضوعية ولا ينشر إلا الأكاذيب والادعاءات، الأمر الذى جعلنى غير متحمس لإصدار هذا القانون إلا أن تتطهر الصحافة من الكذب والهوى. ومن ناحية أخرى تقدمت بمشروع لمجلس الوزراء بإنشاء مجلس وطنى للإعلام المقروء والمرئى والمسموع يضع ضوابط ومعايير محددة بما لا يتعارض مع الحريات على أن تتولى هذه المؤسسة الوطنية تطبيق جزاءات وعقوبات تأديبية فى حالة التجاوز غير المقبول والخارج عن نطاق النقد الموضوعى البناء، وتتدرج هذه العقوبات من الإنذار والوقف عن ممارسة العمل أو الإلغاء ويطعن على قرارات هذا المجلس الوطنى أمام مجلس الدولة لا أمام المحاكم لأن المعارك السياسية يجب ألا تنظر فى الدوائر القضائية لخصوصيتها. أما عن قانون الحبس على جرائم النشر، فكنت قد بدأت فعلياً بتنظيم قانون لإلغاء الحبس والاكتفاء بالعقوبات التأديبية والغرامة، ولكن الآن فقدت حماسى تماماً، وأقول لمن يشير إلى موقف الصحافة من خلافى مع النظام السابق وتأييدهم لى آنذاك إننى لست مديناً لأحد ولا مجال للمقايضة وأن تأييدهم لم يكن لشخصى، ولكن لما تبنته من مواقف والحق أحق أن يتبع سواء أغضبتك أم أرضيتك. متى نرى قانوناً يضمن استقلال القضاء؟ أولى المهام التى حددها الرئيس محمد مرسى فى خطاب تكليفى لتولى مهمة وزير العدل، هى الحرص على أن يصبح القضاء مستقلاً استقلالاً تاماً، مؤكداً أنه لن يتدخل ولن يسمح لأحد بالتدخل فى العدالة والقضاء، ولقد بلغت هذا الخطاب التكليفى لجميع الزملاء و ممثلى الهيئات القضائية وأنه ما سيتم الاتفاق عليه بهذا الشأن سيعرض على الشعب المصرى باعتباره مصدر السلطات لأن القانون لابد أن تربطه بالأمة المخاطبة. وما ردكم على أن هناك اتجاهاً بما يسمى ب “أخونة" القضاء؟ هذا أمر غير صحيح، غير مقبول فلا يمكن أخونة القضاء والخروج به عن استقلاله والزج به فى أى تنظيم سياسى، فالقضاء المصرى صاحب تاريخ زاخر بالبطولات والتصدى لكل الأنظمة السياسية للحفاظ على هيبته واستقلاله، والتاريخ يؤكد فشل كل محاولات إقحام القضاء فى أية تنظيمات سياسية، فمنذ الحكومات القديمة والقضاء حريص على الاستقلال، فعندما كانت الحكومة وفدية لم تكن الأغلبية القضائية وفدية وامتدت المعارك بعد معركة الوفد مع السنهورى فى محاولة للعصف به إلى معركة استمرت من 1964 إلى 1969، بين نظام الرئيس السابق جمال عبدالناصر وقضاة مصر ضد محاولاته لإدخال القضاء فى الاتحاد الاشتراكى والتى فشلت فشلاً ذريعاً، وبالتالى ما يسمى بأخونة القضاء ما هى إلا أوهام، فالإخوان أنفسهم لا يستطيعون الإتيان بقضاة إخوان، وهى محاولة محكوم عليها بالفشل، فالقاضى قد يغفر له الجهل، ولكن لن يغفر له الانحياز، أما رداً على انتماءاتى الإخوانية فأؤكد أننى لست إخوانياً برغم اعتقادى بأن الإخوان فصيل سياسى دينى محترم، فإننى لن أقبل أن أكون إخوانيا لما أحمله من أفكار استقلالية. هناك خلاف دائر حول المذكرة التى تقدمتم بها للجنة التأسيسية للدستور بشأن مشروع «القضاء الموحد» فما السبب؟ الهدف من هذه المذكرة هو تحقيق حلم يراودنى منذ سنوات بأن تتقارب جميع الهيئات القضائية وتتكافل وتتعاون من خلال حزمة إجراءات قانونية موحدة، بمعنى أن تحكمنا قواعد واحدة من حيث التعيين والرواتب إلى ما شابه، وقد حظى الاقتراح بارتياح عام فى اللجنة التأسيسية للدستور، لا يعنى إلغاء بعض المسميات مثل مجلس النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، وقد يكون هذا هو سبب الخلاف، ومع ذلك توصلت إلى اتفاق يقضى بإخضاع الأحكام العسكرية لحق الطعن أمام محكمة النقض، أى أمام محاكم مدنية مع وجود عضوين من القضاء العسكرى لتوفير ملاذ آمن لكل من يتقدم لمحاكمة عسكرية بحصانات القضاء الطبيعى أمام المحاكم المدنية، وهذا الاقتراح مازال محل نقاش. هل هناك اتجاه لإلغاء المحكمة الدستورية؟ مع الأسف بالرجوع إلى تاريخ نشأة المحكمة الدستورية العليا عام 1969، نجد أنها كانت أحد قوانين مذبحة القضاء، وكان الهدف منها السيطرة على القضاء، حيث كان تشكيلها الأول من التنظيم السرى للاتحاد الاشتراكى، حيث انضم العشرات سرا إلى طليعة الاشتراكيين وعكفوا على كتابة التقارير ضد زملائهم وباتت فى عصر السادات، بديلا عن المحكمة العليا وينتدب رئيسها ولا توجد ضوابط قضائية تحكم عملها، الأمر الذى أصبح لا يجوز السكوت عنه، والمسألة ليس لها علاقة بإلغاء المحكمة الدستورية، ولكن إعادة وضع قواعد وضوابط تحكم عملها من حيث صلاحيات ومعايير لاختيار أعضائها وحدودها القانونية فى التعامل مع القضايا. وماذا عن تردد أنباء حول عزل النائب العام؟ النائب العام غير قابل للعزل ولا سبيل لعزله لأن هذا أمر مخالف لقانون السلطة القضائية. ولماذا لم يتم الإعلان عن تحقيقات المستشار عبد المعز إبراهيم فى قضية التمويل الأجنبى حتى الآن؟ أولا لم يعرض علىّ الورق حتى هذه اللحظة وإذا تم هذا لن أعلن التحقيقات بل ستتم سرا حرصا على الثقة فى القضاء، وأؤكد أن الشكوى ستأخذ حقها فى البحث والتمحيص. سبق وأن صرحتم بأن تكريم المشير طنطاوى والفريق سامى عنان لا يمنع من تقديمهما للمحاكمة إذا ما توافرت أدلة إدانة، فهل هناك على السطح ما يدلل على هذا؟ بداية يجب أن أوضح أن تصريحى هذا جاء فى إطار مداخلة أكدت فيها أنه لا يوجد فى القضاء العادل أسباب للإباحة أو موانع للعقاب، بمعنى أن تقليد الأوسمة وغيرها من أوجه التكريم لا تمنع أحداً من كان من المثول أمام القضاء إذا ما توافرت أدلة جنائية تدينه والدليل على هذا الرئيس المخلوع حسنى مبارك لم تمنعه أوسمة من المحاكمة تحت مظلة القانون، وأمر التقاعد لا يعنى أن ننسى الدور الذى قام به المشير طنطاوى والفريق عنان فى حماية الثورة المصرية، ولكنه اتجاه نحو إفساح المجال لدماء جديدة، وهذا أمر طبيعى فى المؤسسات العسكرية والمدنية أيضا دون قصد الإهانة.