يترقب الرأي العام بشغف ما تسفر عنه محاكمة الوزراء والمسئولين السابقين المتورطين في قضايا فساد, وكيفية استعادة أموال الشعب المنهوبة بواسطة حفنة ممن احتكروا السلطة والمال . الذين تقدموا بعروض أمام جهات التحقيق للتصالح وتسوية ملفاتهم بدفع فارق الأسعار أو الأموال التي تمتعوا بها لسنوات, وقد يكفي عائدها فقط في رد هذه الفروق في الأسعار, أو بين أموالهم الشرعية وثرواتهم غير المشروعة. وقد أثارت هذه العروض جدلا قانونيا واجتماعيا في الشارع المصري بين معارض ومؤيد.. البعض يري التصالح معهم واسترداد حق الدولة كما فعلت دولة جنوب إفريقيا, والبعض الآخر يري أن ذلك يفتح بابا للفساد مجددا, ويدفع الآخرين لنهب أموال الشعب وردها عند كشف أمرهم, ويطالب بالقصاص الرادع مع رد الأموال ليكونوا عبرة لغيرهم, مع اتخاذ إجراءات احترازية لعدم تهريب أموالهم للخارج قبل رد حق المجتمع. ومن بين الذين قدموا طلبات بالتسوية أحمد عز, وأحمد المغربي, ومحمد أبوالعينين, ومنير غبور. يقول المستشار حسن حسانين رئيس محكمة الجنايات: وفقا لقانون العقوبات تتم معاقية المتهمين في قضايا الاستيلاء علي المال العام والتربح وغيرها من نوعية هذه القضايا بالسجن المشدد بعقوبات تتراوح ما بين3 و51 سنة, ورد المبالغ المستولي عليها, وغرامة تعادل هذه المبالغ نفسها. فإذا ما تم تقديم تسوية مادية من المتهمين في هذه القضايا ينعكس أثر هذا الأمر علي العقوبة الثانية فلا تقضي المحكمة بالغرامة ويتم تخفيف العقوبة والنزول بها. لذلك أري أن التسوية ليست في مصلحة الدولة في مثل هذه القضايا, وأنه من الأفضل ترك الأمور تسير في مجراها الطبيعي أمام المحكمة لعدة اعتبارات: أولا: أنه إذا ما رأت المحكمة وفقا للقانون أن المتهمين مدانون بالفعل ستحكم ضدهم بعقوبة السجن إلي جانب رد المبالغ المستولي عليها وتغريمهم المبالغ نفسها, مما يجعل الدولة تسترد حقها بالضعف. ثانيا: الملاحقة الجنائية للمتهمين قد تكشف أمورا وأشياء كثيرة. ثالثا: تحقيق الردعين العام والخاص من العقوبة حتي لا يتم تكرار هذه الأفعال التي تهدر حق الدولة والمواطنين وتخالف القانون, فالعقاب البدني بالسجن سيكون له أثره علي المتهمين وغيرهم ممن يحاولون اللجوء لهذه الأساليب. ويطرح مصدر قضائي وجهة نظر أخري قائلا: إن الجميع في حالة من الاضطراب الآن, وهناك حيرة ما بين الواقع والقانون, فالأمر الواقع يشير إلي أن قيام المتهمين إذا ما كانوا جادين في ذلك برد المبالغ المتهمين بالاستيلاء عليها أو إهدارها علي الدولة أمر يحتاجه الاقتصاد في الوقت الراهن, بل إنه من الممكن أن تنتهي المحكمة مثلا إذا ما رأت ذلك ببراءة متهم ما فتضيع النقود علي الدولة مما يكون معه من المصلحة قبول التسوية, إلا أنه لا يجب تجاهل الاعتبار القانوني الذي يقتضي ضرورة عقاب المتهمين حتي لا تتكرر هذه الوقائع المؤسفة وتكون هناك ذريعة لكل من تسول له نفسه ارتكاب أفعال مماثلة أن يسدد الشيء محل الاتهام بأنه استولي عليه حتي يفلت من العقاب. وحول آلية ضمان استرداد الدولة أموالها في حالة إدانة المحكمة للمتهمين وكيفية تنفيذ هذه الأحكام يقول المستشار محمد عبيد نائب رئيس محكمة النقض: إنه في حالة الحكم علي المتهمين بالغرامة ورد المبالغ التي استولوا عليها تقوم أجهزة الدولة وفقا للقانون بما يسمي الحجز الإداري علي الأموال الخاصة بالمتهمين ويتم بيعها وترد قيمتها للدولة, وهنا يجب التدقيق في هذا الأمر حيث يخشي من تلاعب البعض من المتهمين بتهريب أموالهم. ويقول المستشار خالد الشباسي: وفقا للقانون لا يوجد ما يسمي التسوية, لأن الصلح محدد علي سبيل القطع في جرائم محددة ليس من بينها الاتهامات التي نسبت للمتهمين من المسئولين السابقين ورجال الأعمال وغيرهم, فلا يجوز قانونا التصالح معهم, كما أن مبدأ العفو مقابل رد الأموال مرفوض لأنه يؤثر علي كيان الدولة وهيبتها ويعطي مبررا للآخرين بارتكاب النوعية نفسها من الجرائم ثم الإفلات من العقاب بالسداد, خاصة أن ما تم ارتكابه من جرائم أصاب الشعب المصري كله بالضرر, هذا إلي جانب أن الرد سيكون بأي سعر, هل سعر السوق الآن أم ماذا؟ ويضيف المستشار الشباسي أن هناك فارقا بين حالة نواب القروض والمتهمين, فنواب القروض تم حبسهم وسددوا المبالغ التي استولوا عليها, ثم أوقف النائب العام تنفيذ العقوبة عليهم, أي أنهم قضوا العقوبة, فالتجربة أثبتت أن الحبس كان رادعا في حالات كثيرة, وأجبر المتهمين في قضايا مماثلة علي رد ما استولوا عليه من مبالغ. ويتفق معه في الرأي المستشار أشرف مختار بهيئة قضايا الدولة ويضيف قائلا: إن الجنايات عموما لا يجوز التصالح فيها, لكن قد يكون للتصالح أثر في بعض القضايا, والمحكمة التي تنظر الدعوي وحدها هي صاحبة الرأي والقرار في شأن تطبيق الحدين الأدني والأقصي في العقوبة التي تصدرها علي المتهمين وفقا لظروف الدعوي.