الإنسان لا يعيش بمفرده في جزيرة نائية.. بل يعيش بين الناس, يؤثر فيهم ويتأثر بهم. فالذي يفعله الواحد منا يؤثر فيمن حوله, ومنهم أهله.. وصلاحه يؤثر إيجابيا في سلوكيات ذريته. خاصة إن كانوا أسوياء الفطرة.. وسلوكيات الأخ الأكبر أو الأخت الكبري تؤثر في الإخوة الصغار.. وسلوكيات صاحب المصنع أو المتجر الكبير تؤثر في الموظفين والعمال, وهكذا.. ومن هنا الحديث الشريف كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته, الإمام راع ومسئول عن رعيته, والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته, والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها, والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته, وكلكم راع ومسئول عن رعيته. والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته, وكلكم راع ومسئول عن رعيته أي أن المسئولية مشتركة بين الناس, وإن كان بدرجات متفاوتة. ولما كان كل واحد منا يؤثر فيمن حوله سواء بخير أو بشر, فالذي يقدم الخير للناس في أي صورة من الصور, فهو ينال ثواب ما قدمه من الخير, ومثل ثواب من قلده أو نحا نحوه, والذي يقدم الشر للناس في أي شكل من أشكاله, فهو ينال سيئات ما قدمه للناس, وسيئات من قلده في ذلك من بعده.. وعن رسول الله صلي الله عليه وسلم من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده, من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء وعنه صلوات الله عليه وسلامه ليس من نفس تقتل ظلما إلا كان لابن ادم الأول كفل من دمها, لأنه كان أول من سن القتل. ومن هذا المنطلق, ولأهمية القدوة الحسنة في المجتمعات, فقد وجه ربنا تبارك وتعالي إلي الاقتداء بخاتم الانبياء والرسل في أقواله وأفعاله, ومنهجه وسلوكياته, لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا( الأحزاب12) وعلي الصعيد الأسري, فإن رب الأسرة قد يدمر أسرته تدميرا إذا أتي فعلا شائنا كأن يتلقي رشوة, ويكون هناك كمين معد له للقبض عليه متلبسا بأخذها, ويقدم للمحاكمة وقد تثبت عليه التهمة, ويصدر عليه حكم بالسجن.. رب الأسرة هذا لم يقدر عواقب فعلته, ليس عليه هو وحده, وإنما علي كامل الأسرة.. زوجته وأبنائه الذين سيتأثرون تأثيرا بالغ السوء بما فعله, من كل النواحي.. سواء النواحي المادية أو السمعة التي ستلاحقهم.. ولو أنه فكر في العواقب التي ستحل به وبأسرته لما أقدم علي فعلته.. الإنسان كما قلت آنفا مسئول عما يفعل بنفسه وبغيره.. سواء أهله أو المحيطين به أو المتعاملين معه.. ولذلك ينبغي علي الانسان أي إنسان أن يعي هذه الحقيقية, وأن يتعامل علي أساسها, لأن أي فعل طائش يعرضه والاخرين ممن لا ذنب لهم ولا جريرة لما لا تحمد عقباه, وهم لم يشاركوا في شيء مما فعله, بل لم يعلموا به في حينه.. وتكون المفاجأة قاسية علي كل أفراد العائلة الذين سيتحملون وزر من فعل بهم هذا, نتيجة للحماقة وقصر النظر وسوء التقدير للعواقب.. وعلي العكس من ذلك, فإن الذي يحسن العمل للدنيا والاخرة, ويقدر مسئولية أفعاله بالنسبة لأهله, فإن أهله ينتفعون بصلاحه في الدنيا, وفي الاخرة يجمعه الله بذريته ويلم شملهم في الجنة والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم( الطور12) وهكذا فصلاح الآباء يفيد الأبناء وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك( الكهف28). وصلاح الأبناء يفيد آباءهم حتي بعد موتهم, فعن رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له.. وقد سئل الرسول صلي الله عليه وسلم عن بر الوالدين بعد موتهما فقال: الصلاة عليهما والاستغفار لهما, وانفاذ عهدهما من بعدهما, وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما...