مثلما كان العراق سوف يصبح نموذجا يحتذي بعد الحرب عام2003, ليتكرر في المنطقة كلها, حسب التعبير الذي قاله جورج بوش, قبل الحرب بأيام, فإن هذا التفكير هو نفسه الذي سيطر علي تفكير تنظيم القاعدة, بأن يكون العراق والذي تحول بيئة للفوضي عقب الغزو الأمريكي نموذجا يحتذي في الدول المجاوره وفي مقدمتها مصر, وهو ما فشلوا فيه. وعندما وقعت جريمة الانفجار أمام كنيسة الأسكندرية, فقد كان الانطباع الأولي أن ذلك يعكس تغييرا نوعيا في أساليب الارهاب, والأمر الظاهر ان تحولا في أساليب تنظيم القاعدة, والارهاب المتأثر به, قد وقع بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر1002, يتجه نحو تصعيد في حجم الدمار وإثارة الفوضي داخل الدول. وبداية فإن قراءة ما رصدته مراكز بحوث وتقديرات أجهزة مخابرات, قد أظهر وجود تحول في أساليب عمل القاعدة, بعد الحادي عشر من سبتمبر, وكلها تكاد تكون متفقة علي انه بالرغم من عدم القضاء نهائيا علي التنظيم المختفية قيادته في جبال ومناطق قبلية علي الحدود الأفغانية الباكستانية, فإن الضربات العسكرية والملاحقة المستمرة, قد أضعفت قدرة التنظيم علي التواصل مع خلايا في الخارج, بما في ذلك حجم التمويل, والتجنيد, والتوجيه للقيام بعمليات معينة, وهو ما أدي الي نشوء خلايا جديدة, كثير منها صغير الحجم, وقد يضم أفرادا قلائل, تستلهم توجهاتها من أفكار القاعدة, وليس بالضرورة وجود اتصال مباشر فيها بينها, وكان يساعدها سهولة التواصل فكريا عبر الانترنت, وبث برامج عن كيفية تصنيع متفجرات لاتحتاج خبرات فنية. وحين وقع الهجوم الاجرامي في الأسكندرية, فقد شهد تشابها مع العمليات الدموية التي كانت تجري في العراق, بل انه جاء بعد تهديد تنظيم يسمي نفسه فرعا للقاعدة في العراق, بشن هجمات علي كنائس في مصر. هذا التغيير النوعي لاينفصل عن هدف متجذر بعمق في تفكير القاعدة, والخلايا المتأثرة بها, وهو إثارة فوضي داخلية, وتفتيت الدولة, الي كيانات متصادمة, ونسف مفهوم التعايش بين أبنائها, أي نسف فكرة الوطن ذاتها. وكانت دراسات لخبراء الارهاب في العالم قد اتفقت علي ان الفوضي, هي البيئة الأنسب لتواجد التنظيمات الارهابية, لأن الاستقرار يخنقها ويجفف منابعها. فبعد تحول العراق عقب الغزو الأمريكي إلي ساحة مفتوحة حدودها لتدخلات خارجية عديدة, والي مرتع للفوضي, فإن هذا المناخ قد سمح للقاعدة بأن تخلق لنفسها وجودا هناك واسع النطاق. وحسب تقديرات المخابرات الأمريكية, فإن حجم الارهاب الذي كانت أمريكا تواجهه من القاعدة, قد تضاعف ثلاث مرات عقب الغزو الأمريكي للعراق. والفوضي وتفتيت الوطن, هما عنصران من العناصر المحورية في فكر القاعدة, التي تعتنق عقيدة مضادة لمفهوم الوطن, فهي تتبني توجها يقوم علي الارتباط مصيريا بكيانات لها إنتماء لأوطان وقوميات أخري, لكن علاقتها بها تعلو عندها علي أي انتماء للوطن الأم. ولو نظرنا الي خريطة المتورطين في عمليات ارهابية في العالم في السنوات الأخيرة, فسنجد ان بينهم ضمن العرب, أفغانا, وباكستانيين, وغيرهم, وكلهم يجمعهم نفس التوجه والعمل بنفس الأسلوب.. وأخرهم أفراد الخلية التي ألقي القبض عليهم الشهر الماضي في لندن, وقدموا للمحاكمة بتهمة التدبير لعمليات إرهابية في بريطانيا, وقالت الشرطة البريطانية ان خمسة منهم من أصول بنجلاديشية, وان كانوا ليسوا منضمين تنظيميا للقاعدة. ان البيان الذي أصدره التنظيم الذي هاجم كنسية في بغداد في الشهر الماضي, والذي هدد بتفجير كنائس في مصر, كان واضحا فيها ذكره من ان تفجيرات الكنائس لن تقتصر علي مصر, بل انها ستطول علي حد قوله كنائس في الشام وسائر بلدان المنطقة. وان ماجري هو موجة جديدة من مخطط التفتيت الذي يهدف الي خلق هويات منشقة عن الهوية الوطنية في المنطقة, والسعي لفك الارتباط الطبيعي والغريزي بالدولة. ولنا ان نلاحظ ان الارهاب منذ ظهر في مصر أو في غيرها من دول المنطقة, لم يفرق بين الأديان, فهو يحمل توجها سياسيا خارجيا لايرتبط بالدين, فعملياتهم الأولي ركزت علي ضرب مسلمين, بدافع من فهمهم لتكفير المجتمع, وليس بعيدا ما كان يقوم به تنظيم القاعدة في العراق وقائده ابو مصعب الزرقاوي, من قتل مسلمين من غير السنة, وهو مانتج عنه تحول جماعات من المقاومة العراقية السنية ضد الاحتلال, الي مقاتلة ارهابيي القاعدة. وقد لايميل البعض الي نظرية المؤامرة أو ضلوع اسرائيل فيما يجري, وآيا كان الأمر, فالذين نفذوا جريمة الأسكندرية قد حققوا بالوكالة حتي ولو بدون اتفاق, هدف اسرائيل لتفتيت الدول العربية المجاورة الي دويلات متناحرة. وهو ماكشفت عنه الوثيقة الاسرائيلية التي حملت عنوان استراتيجية اسرائيل للثمانينات. وكان المحلل العسكري اسرائيلي زئيف تشيف قد اشار الي مسألة تفتيت الدول العربية الي كيانات صغيرة, ضمن التفكير الاستراتيجي الاسرائيلي, وكتب مقالا في صحيفة هاآرتس يوم6 فبراير2891, قال فيه: ان أفضل مايمكن حدوثه لصالح اسرائيل, هو ان يتفكك العراق الي دويلات سنية, وشيعية, وانفصال للجزء الكردي. إن أي مخططات تتربص بالوطن سواء كانت تدخلات خارجية, أو أعمالا ارهابية, لاتستطيع ان تنفذ أهدافها إلا في مناخ يحرضها علي ذلك ولابد من الاعتراف بوجود, احتقان طائفي في مصر, تضعه هذه الجهات في حساباتها وهو شيء قادر علي خلق مناخ تحريضي لدي قلة قليلة منفلتة فكرا وعقيدة ومن السهل شحن عقولها بفكر متطرف, يأخذ بعقولها إلي الانقلاب علي الوطن. وهو ماحدث. ويبقي ان حشد كافة قوي المجتمع, وتياراتهالمتنوعة, في حياة سياسية متكاملة, وديموقراطية تعددية, تجعل الجميع مشاركين وليسوا متفرجين, هو السد المنيع أمام نشوء هويات مضادة للوطن.