وضع خطاب الرئيس حسني مبارك أمام مجلسي الشعب والشوري الأحد19 ديسمبر بداية لانطلاقة جديدة لمصر..ووضع نهاية لأقوال وشائعات ترددت حول البرلمان قبل أن يبدأ.. برغم أنه البرلمان الأكبر.. والأكثر مهنية وتأهيلا وقدرة في تاريخنا.. ليس بالقول ولكن بالأرقام. أنهي الرئيس في خطابه زمن الاختلاف والشقاق والمشاحنات التي صاحبت الانتخابات, ودعا الجميع إلي النظر إلي مصر التي تعلو فوق كل شخص وكل حزب, والتي من أجلها كانت معارك الانتخابات. عبر الرئيس عما يجيش في قلوب المصريين من تفاؤل وثقة ويقين بمستقبلهم.. وزاد من إحساسنا بالزهو الوطني بإنعاش ذاكرتنا بما تحقق, وما نتطلع إليه وما نحن قادرون علي تحقيقه. حمل الرئيس البرلمانيين الجدد وديعة عمل تشريعي تغير مصر بحق, وتضعها في مكانتها التي تستحقها.. إيذانا ببدء مرحلة جديدة من العمل الوطني الجاد من جميع القوي السياسية نحو الوطن والمواطن بلا استعراضات أو ضجيج, ومخاوف تصرفه عن أهدافه وتطلعاته الحقيقية بالإسراف في الوهم أو سراب المتلاعبين بالأديان. اختصر الرئيس الطريق أمام الجميع حين تقدم المجتمع السياسي المصري بجميع أطيافه, ليطرح رؤي, ويصدر تكليفات, ويشرح في خطوط عريضة ملامح التحرك السياسي في المرحلة المقبلة. الرئيس يري أن مهام كبري تنتظر الجميع, ولابد أن يبدأ التحرك سريعا نحوها دون إبطاء, ودون إنفاق الجهد والتفكير في شائعات أو محاولات تشكيك أو تيئيس لا طائل ولا نتيجة من ورائها. خمس وأربعون دقيقة كان الرئيس فيها ناظرا إلي الأمام, حيث نتطلع جميعا إلي مستقبل أفضل. الخطاب في مجمله مستقبلي النزعة يتحدث عما ينبغي القيام به في مواجهة تحديات الغد. ربط الرئيس بين جهود بذلت وآمال وطموحات لابديل عن تحقيقها. حين تحدث الرئيس في خطابه عما تحقق من إنتاج وعمل, وأننا واجهنا الأزمات ولم نمد أيدينا إلي أحد, إنما كان يبث الثقة في أننا اخترنا الطريق الصحيح, ننفتح به علي العالم, نستفيد من فرصه ومكاسبه, ويحق لنا أن نزهو بقدراتنا المستقبلية, بما يؤكد القدرة والأمل فيما نحن مقبلون عليه. فنحن لن نواجه مثلما واجهنا من صعوبات, لقد أثمرت سياسات الإصلاح الاقتصادي وضخت المزيد من القوة في شرايين الاقتصاد, وجعلته أكثر قدرة علي تفكيك المشكلات والقضاء عليها. غير أن آمال الغد لن تأتي وحدها, ولكنها تأتي محمولة علي جهود وتخطيط وتطور وإجماع وتكيف مع معطيات العصر, وتغيير وطن تجاه ثقافة العمل, وقدرتها علي تطوير حياة الناس والمجتمع.. ندخل بها عصر الطاقة النووية وما يستتبعها في كل نواحي الحياة من تطور الصناعة والزراعة والبحث العلمي بل والتعليم بكل فروعه. آمالنا معقودة كما قال الرئيس علي إرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة التي تودع في هدوء ملامح القبلية الدينية والسياسية والاجتماعية.وتكرس مكانة المواطن التي تعمل الدولة من أجله في كل المجالات.. وهي معقودة أيضا علي إعادة صياغة دور الدولة وتحريرها من الأعباء التي حملت بها زمنا فأقعدتها عن التطور فعطلت قدراتنا عن النمو, حيث تتحول الدولة لأن تكون قوة منظمة ومحفزة للنشاط الاقتصادي.. وأن تقوم بدورها المحوري في رعاية الفئات الأكثر احتياجا لعدالة اجتماعية حقيقية تصل للفقراء.. وفي توسيع قاعدة المشاركة الشعبية وبناء اللامركزية التي تغير وجه الحياة في بلدنا, وفي جميع الأنشطة السياسية والاقتصادية.. وأن يحتل الأمن القومي المصري مكانته التي يستحقها. وضع الرئيس مبارك عيوننا مركزة علي أكبر خطرين نواجههما.. مثيري الفتنة بالداخل بين المسلمين والمسيحيين, وصانعي الشقاق في الخارج مع أشقائنا وشركائنا في وادي النيل الخصيب..إننا جزء من عالم يتفاعل ويتغير سريعا, ولن نستطيع أن نختبئ بعيدا عن تلك التغيرات, ولابد أن نستجيب لها بما يحقق مصالحنا وبما يحفظ هويتنا ويؤكد مصريتنا ومكانتنا في المنطقة والعالم. وتذكروا أن مصر دولة مستقلة لا تقبل المشروطيات أو الاملاءات, وأنها دولة قوية بالفعل, ما تقوله في العلن هو ما تقوله وراء الأبواب المغلقة. ***** وضع الرئيس قضية البطالة وما تستحقه علي رأس أولويات العمل في المرحلة المقبلة, وما تتطلبه من العمل علي جبهات كثيرة. فإذا أردنا رفع معدلات التشغيل فليس هناك بديل عن استمرارية رفع معدلات النمو المرتبط بقدرتنا علي جذب المزيد من الاستثمارات التي تواجه نموا سكانيا ومجتمعيا كبيرا, وبما يمكننا في النهاية من تحقيق انطلاقة جديدة وضعنا الرئيس علي أبوابها. ***** هذه الرؤية المستقبلية التي جاء بها خطاب الرئيس مبارك تمثل تحديا جديدا ليس للحكومة وحدها, وإنما لكل مؤسسات الدولة المصرية بما فيها الأحزاب السياسية المختلفة التي عليها أن تعيد التفكير وتعلو علي صغائر الانتخابات, وتنضم إلي مسيرة ناجحة وقوية وعادلة, تقود مصر والمصريين بحرية إلي تقدم وتطور سياسي واقتصادي واجتماعي لم تشهده عبر تاريخها من قبل..وبهذا الأسلوب نساعد علي أن ننجو من فوضي وقلاقل يخطط لها المغرضون الذين باعوا مصريتهم نظير مصالح صغيرة أو نجومية زائلة أو تبعية للخارج مرفوضة. ولئن جاء خطاب الرئيس حاملا العديد من التكليفات للمجلس الجديد لتطوير البنية التشريعية اللازمة في المرحلة المقبلة, فإن الجميع مدعوون للمساهمة بالجهد والرأي. فثقافة العمل السائدة لم تعد تنفع, وتغييرها مهمة وطنية. وتشجيع المبادرات الفردية أصبح نداء وطنيا, وكذلك قضايا التعليم العام والتعليم الفني والتأمين الصحي وأمن الطاقة والمياه في مصر, وغيرها من قضايا كثيرة تضمنها خطاب الرئيس, الذي جاء بحق دعوة للالتفاف حول مصالح مصر, دعما لقدراتنا علي إنجازها وحمايتها في إقليم مضطرب, وزمن صعب. [email protected]