هذه أيام الهبش في الوجوه لإسقاط الأقنعة في بريطانيا. البلد منقسم منذ أعلنت الحكومة الائتلافية خطة التقشف القاسية في شهر اكتوبر الماضي إلي ثلاثة معسكرات, الناس والحكومة الائتلافية والمعارضة, الناس عموما يئنون في صمت من توابع خطة التقشف. أما الطلبة فلم يصمتوا وفي أول مناسبة أعلنوا الحرب علي الحكومة. وكانت شرارة الحرب زيادة الحد الاقصي الذي يمكن أن تفرضه الجامعات من6 آلاف جنيه استرليني سنويا إلي9 آلاف جنيه سنويا. أما طلبة المدارس الثانوية فسوف يفقدون مكافأة تشجيعية لتحفيزهم علي الاستمرار في التعليم. انتصرت الحكومة في الجولة الأولي بنجاحها في تمرير قانون زيادة الرسوم في البرلمان رغم حركات التمرد في حزبي الحكومة المحافظين والديمقراطيين الأحرار. لكنه كان نجاحا طعمه مر. فالتصويت جاء بأغلبية21 صوتا فقط رغم أن غالبية المقاعد لصالح الائتلاف الحكومة( مقابل المعارضة العمالية والمستقلين) يبلغ176 صوتا. زاد طعم المرارة بفعل المعارك التي وقعت خلال الشهرين الأخيرين في الشارع. وآخره تلك المعارك الذي سبقت ورافقت وأعقبت تصويت البرلمان يوم التاسع من ديسمبر بين الطلبة المتظاهرين والشرطة. حركة الطلبة البريطانيين نفث عما يضيق به صدورالبريطانيين الذين استسلموا لسياسات الحكومة. والهدف الرئيسي هو حزب الأحرار الديمقراطيين بزعامة نيك كليج نائب رئيس الوزراء الشريك الأصغر في الحكومة الائتلافية مع حزب المحافظين بزعامة رئيس الوزراء ديفيد كامرون. فقد ظهر السياسي الشاب الذي ملأ قلوب الشباب وغير الشباب في بريطانيا بالأمل في إمكانية تنظيف المناخ السياسي الفاسد. وكانت وعوده قاطعة محددة جريئة للغاية. ففيما يتعلق بالطلبة قال في برنامج الحزب' سوف نلغي الرسوم الدراسية غير العادلة لكل الطلبة الذين يدرسون للحصول علي أول درجة علمية( ليسانس او بكالورويوس) بما في ذلك الطلبة الذين يدرسون بعض الوقت يعملون في باقي الوقت'. وقال البرنامج بوضوح' سوف نلغي علي الفور( فور الفوز بالسلطة) الرسوم لطلبة السنوات النهائية( في الجامعات أو المعاهد العليا). صدقه الطلبة وانتخبوه. وفي أثناء المفاوضات اللاحقة للانتخابات بين الاحرار الديمقراطيين والعمال من ناحية وبينهم وبين المحافظين من ناحية أخري انذره الطلبة من أن' يبيع القضية ويحنث بالوعود من أجل السلطة' لكنه حنث. بل دافع بحماس مثير عن خطة وزير المالية جورج أوسبرن( من حزب المحافظين) بزيادة الرسوم الدراسية. وذهب لحد الإقرار بأنه' أخطأ عندما أعطي وعده بالغاء الرسوم الدراسية'. ومضي ليقول إن الزيادة الجديدة في الرسوم' أكثر تقدمية من النظام الحالي لأنه سوف يوفر الفرص للطلبة من الفئات الأكثر فقرا'. وبينما تغلي دماء الطلبة غضبا من تبريرات كليج نشبت هاريت هارمان أظافرها في وجهه تحت قبة البرلمان. وذكرته بوعوده الانتخابية وبأنه بلع تعهداته من أجل المشاركة في السلطة. لم ينكر كليج قناعته بشرعية الطموح إلي الحكم ولو بالمشاركة. وقال إن أي تنازلات أو تسويات جرت خلال المفاوضات مع المحافظين كانت ضرورية لتشكيل الائتلاف. وعلي طريقة: من كان منكم بلا خطيئة أو أطماع سياسية فليلاحقنا باللعنات سن كليج لسانه الحاد ليزيل هو الآخر القناع من علي وجه العمال حزب المعارضة الرئيسي. فذكرهم بأنهم في انتخابات عام1997 التي أخرجوا فيها المحافظين من السلطة بعد13 عاما تعهدوا بعدم التفكير في رفع الرسوم. وبمجرد أن تولوا السلطة فرضوها. وكرروا نفس السياسة في انتخابات عام2001, حيث قالوا إنهم ضد رفع الرسوم ثم رفعوها بعد شهور من تشكيل الحكومة إثر فوزهم مرة ثانية في الانتخابات. ونصح كليج العمال بأن يكفوا عن تقمص دور بطل الطلبة. الرؤية الأمنية لحركة الطلبة ليست مطمئنة للحكومة. فقائد الشرطة سير بول ستيفنسن لمس مما جمع له من صور مظاهرات الطلاب وشعاراتهم الغاضبة وجرأتهم علي العنف والتدمير إن تلك المظاهرات ليست سوي بداية لو لم تتراجع الحكومة. وقال بوضوح للحكومة ورجاله إن عليهم الاستعداد ل' عهد الاضطرابات الطلابية'. لقيت التحذيرات آذانا صاغية فطلبت الحكومة الاستعداد لكنها لم تتراجع. فالشريك الأكبر فيها( المحافظون) لم يخسر الكثير سياسيا. فهو كان واضحا منذ البداية عندما لم يعد الطلاب بشئ بل إنه صارح الناس بأن القادم أصعب. ولذا فإنه أصر علي عرض الأمر علي البرلمان. وهنا وضع نواب الاحرار الديمقراطيين(57 نائبا) أمام اختبار جديد. فكان بمقدورهم لو تعاونوا مع حزب العمال المعارض أن يسقطوا الخطة. وعندما عرضت الخطة علي البرلمان وضع الائتلاف الحكومي أيضا في مأزق. فرغم أن وثيقة الاتفاق علي الائتلاف( في مايو الماضي) تعطي نواب الأحرار الديمقراطيين حق الامتناع عن التصويت. فإن الحكومة الائتلافية لا تحتمل الهزيمة في البرلمان. فهذا يغري الفئات الأخري الرافضة لأسلوب الحكومة في علاج أزمة الميزانية الحالية وهي كثيرة علي الاحتجاج علي طريقة الطلبة. الآن وبعد أن نفد سهم الحكومة في جسد الحركة الطلابية فإن مجلس العموم بتشكيلته الجديدة يواجه هو الآخر اختبارا لا يقل صعوبة. فثلث أعضائه(233 من بين ال650 نائبا) لم تسبق لهم عضوية البرلمان ودخلوه في شهر مايو الماضي بدعوي أنهم دم جديد يلتزم بالوعود ويلامس هموم الناس وعليهم الآن ترجمة الادعاءات إلي أفعال حتي لوتعارضت مواقفهم مع موقف أحزابهم.