دخلت الحكومة البريطانية المنطقة المحرمة وطال برنامجها للتقشف إعانات الرعاية الاجتماعية لأول مرة منذ سبعة عقود وباستثناء ميزانيتي هيئة التأمين الصحي ومعونات التنمية الدولية يطول التخفيض كل شيء في بريطانيا حتي الجيش الذي يعاني منذ سنوات من قلة الموارد لتمويل عملياته وحروبه في الخارج. لم يكن القرارسهلا فالنتائج الأولية للمراجعة السنوية لانفاق الحكومة ومؤسسات الخدمات العامة, جاءت صادمة مما سهل علي حكومة المحافظين/ الديمقراطيين الأحرار الائتلافية اتخاذ القرار الصعب, فوضعت وزارة الخزانة أمام البريطانيين الحقائق التالية بالأرقام: أولا: العجز في الميزانية( بين النفقات والإيرادات) يبلغ الآن155 مليار جنيه استرليني. ثانيا: هذا يعني أن البديل المتاح غير زيادة الضرائب بكل أنواعها لسد العجز هو الاقتراض. ولو استمر الحال علي ما هو عليه لن يتغير معدل الاقتراض من البنوك فإن حسابات الحكومة تفيد بأن الديون ستصل خلال سنوات قليلة إلي900 مليار جنيه استرليني تشكل70 في المائة من إجمالي الناتج القومي البريطاني!! ثالثا: من الآن وحتي عام2016 تحتاج الحكومة إلي تدبير86 مليار جنيه استرليني سواء من تخفيض الإنفاق أو زيادات الضرائب. وبعد مشاورات مطولة تقرر تدبير77 في المائة من هذا المبلغ من خفض النفقات و23 في المائة من زيادات الضرائب. لقد قلبت الحكومة صفحات دفاتر الحكومة العمالية السابقة( التي استمرت بين عامي1997 و2010). واكتشفت أن الاعانات الاجتماعية التي تشمل مساعدات للعاطلين والباحثين عن عمل والإسكان المجاني والعاطلين لأسباب صحية يمكن أن تكون إحدي وسائل الإنقاذ السريعة والفاعلة. غير أن الأرقام المفزعة التي تعكس حالة الوضع الاقتصادي والمالي المتدهور في بريطانيا لم تكن كافية لامتصاص رد الفعل الشعبي خاصة من جانب أنصار الديمقراطيين الأحرار الذين تعهدوا خلال الحملة الانتخابية الأخيرة بعدم مسايرة سياسة المحافظين الاقتصادية. وأدت وسائل الإعلام التي كانت في معظمها تساند بوضوح المحافظين خلال الحملة الانتخابية دورا بالغ الأهمية في تهيئة الناس للتخفيضات المرتقبة في ميزانية الرعاية الاجتماعية. وأفردت الصحف صفحات لحالات بدت مستفزة لمشاعر وجيوب دافعي الضرائب فتلك أسرة مكونة من12 فردا تتقاضي إعانات قيمتها95 ألف جنيه استرليني سنويا ولا يعمل فيها أحد وهذه أم مطلقة تتقاضي29 ألف جنيه استرليني سنويا إعانة استخدمت جزءا منها في زرع ثدي!! وقد سهل ذلك علي الحكومة التمهيد للتخفيضات المرتقبة بالإعلان عن أن الحد الأقصي المقترح في خطة حفض مساعدات الرعاية الاجتماعية لن يزيد علي26 ألف جنيه وهو متوسط دخل الأسرة العاملة في بريطانيا سنويا. وتدرك الحكومة في الوقت ذاته أن هذه الخطة ستفقدها تأييد آلاف الأسر التي أثري بعضها من نظام الرعاية والمساعدات الحالي, لكنها سوف تكسبها تأييد الاغلبية من الطبقة المهنية المتوسطة التي تئن من أعباء الضرائب وتشكو دائما من أنها تدفع الكثير من الضرائب( الحد الأدني20 في المائة من الراتب) ويستفيد آخرون من العاطلين الذين لا يجدون حافزا أو يتعرضون لضغط حقيقي من الدولة لإجبارهم علي البحث عن عمل, وبدءا من رأس السلطة( رئيس الوزراء ديفيد كاميرون زعيم المحافظين ونائبه نيك كليج زعيم الديمقراطيين الأحرار) وحتي المسئولين التنفيذيين في مختلف الوزارات بدا أن هناك اتفاقا عاما علي تكرار شعار'العدالة' الذي كان محور الحملة الانتخابية خاصة للديمقراطيين الأحرار. ويقر المسئولون بأن خطط وبرامج التقشف( التي تلزم الجميع بما في ذلك مكتب رئيس الوزراء) قاسية لكنها السبيل الوحيد لتحقيق العدالة للطبقة الكادحة. فهذه الطبقة تشكو منذ أيام حكومات العمال المتوالية خلال ال13 عاما الأخيرة من أنها كلما عملت دفعت ضرائب أكثر لتمويل خزينة الدولة التي تكافئ العاطلين بالمساعدات( التي تشمل حتي الوجبات المدرسية وعلاج الأسنان والعيون والأدوية والألبان مجانا). خزانة خاوية ' الغاية تبرر الوسيلة' يقول جورج أوسبرن وزير الخزانة مدافعا عن خططه التقشفية التي تشبه في بريطانيا بالمقصلة التي لا ترحم, فهو وفريقه في وزارة الخزانة يعتقدون أن ما يفعلونه الآن سيحقق النمو والرخاء الاقتصاديين للجميع. ويذكر دائما بما قاله عقب توليه الوزارة أمام البرلمان: ترك لي وزير الخزانة العمالي الخزينة مفلسة لكنه لم يترك لي حتي ورقة صغيرة يقترح فيها وسائل لحل المشكلة. لم يرد العمال بل إن البديل المطروح من جانب زعميهم الجديد إيد ميلليباند ليس أقل قسوة من خطة حكومة المحافظين/ الديمقراطيين الأحرار, فهو يقترح عدالة من نوع آخر تقوم علي تدبير50 في المائة من الأموال اللازمة لسد العجز في الميزانية من الضرائب وال50 في المائة الأخري من تخفيض الضرائب. وهذا يعني زيادة الأعباء الضريبية علي الطبقة المتوسطة والعاملة. وهذا يعني في المحصلة النهائية أنه إذا لم يعان الناس بدرجة كبيرة من تأثيرات خفض الإنفاق علي قطاعات مثل التعليم والخدمات الاجتماعية فإنهم سوف يعانون بالتأكيد من دفع المزيد من الضرائب, وهنا تتفق الحكومة الائتلافية مع المعارضة العمالية علي قاعدة هي: لم يعد مجديا البحث عن المسئول عن وصول بريطانيا إلي هذه الحالة, فالأهم الآن هوالبحث عن حل.