فلسوف تبقي مصر مهما تصارعت الاتجاهات, أم الدنيا وتاجا علي رؤوسنا جميعا, حتي نستحق أن نعيش علي أرضها, ونستظل بسمائها, ونشرب من ماء نيلها مهما بلغ حالنا, ويقتضي ذلك حتما مواجهة أحوالنا التي تجاوزت حالة الخطر, وإلا فقدنا هويتنا ووجودنا, ونسينا ما كان يردده أجدادنا وآباؤنا العظام الذين كانوا يفخرون بمصريتهم.. وتمنوا أن يكونوا مصريين لو لم يكونوا كذلك. وكنت قد كتبت في مقال سابق عن حالات التردي.. والخطر.. تفضلت جريدة الأهرام الشامخة فنشرته في الثامن من سبتمبر, قالوا عنه إنه كاشف للأحوال والخطر حتي لو بدا متشائما, بعدها بأيام وصل إلي بغير تنصت حوار مسموع, ثم جدت علي الساحة بعض المشاهد والأحداث, حظيت باهتمام بالغ لدي الرأي العام والإعلام, عبرت عن حالة تجاوزت مرحلة الخطر, وكشفت عن استنفار الرأي العام.. وتصادم بين الوظائف والسلطات!! أما عن الحوار المسموع, فلقد كان في ليلة من ليالي الصيف وكنت في حديقة منزلي الصغير, استمعت إلي صوت جهوري مسموع, من جار لي, مالك للفيلا الملاصقة, كل ما أعرفه عنه أنه مهندس وأستاذ جامعي غير متفرغ تجاوز الستين من عمره يتحاور مع زميل له, وكان الحوار بصوت عال وصل إلي بسهولة, دون إن استرق السمع, استطعت معه أن أصف الحوار بالاهتمام بأحوال البلاد والتعبير عنها من المعارف العامة والعلم العام, ولم يكن أي من المتحاورين طرفا في صراع سياسي أو نشاط تجاري, أو في حالة مطمع, فحالتهما مستورة ليسا في ضائقة, ومن طبقة اجتماعية متوسطة أو تزيد, حسبما تعبر عنه لغة الحوار, لكن اللافت للنظر أن لغة الحوار ذاتها تعبر عن الضيق والغضب والاستنفار, واتهام الحكومة باستقطاب الأصوات الوطنية والعالية, وأنها تملك الكثير من وسائل الترغيب أو الترهيب للمعارضة, فمن كان صوته معارضا حرا وناقدا بالأمس, مايلبث أن يتغير موقفه متي تولي منصبا, أو حظي بمساحة يكتب فيها مقالا, أو يقدم برنامجا علي الشاشة الصغيرة حتي في القنوات الخاصة, وتصرف لهم مبالغ كبيرة وثابتة يحرصون علي دوامها, حتي من يعارض أو يهاجم أو ينقد فإن ذلك لايكون إلا بالاتفاق مع الحكومة مقدما أو بإذن منها, سواء عند الخطوط الحمراء أو عند السماح بتجاوزها, المهم أن لغة الحوار وجهت الاتهامات وأثارت الشكوك وعبرت عن الغضب, والتشكيك فيما يقال في جانب الحكومة حتي ولو كان واقعا, ولم يفت المتحاوران استدعاء الماضي والندم علي مافات, وامتد الحوار علي ذات البيان لأكثر من ساعة!! * وأعلم شخصيا أن كثيرا مما قيل ليس صحيحا, لأني أعرف معظم أسماء من تناولهم الحوار من الشخصيات العامة والمعروفة, فمن يكتب منهم أسبوعيا, لايحصل علي ألف جنيه في المقال الواحد كما قيل, ومن يقدم برنامجا علي الشاشة, لم ترصد له الدولة مئات الآلاف ليسكت أو يتحدث, حتي ولو كان ضيفا مؤيدا أو معارضا, وإجمالا عبرت لغة الحوار عن فقدان الثقة والأمل والسكينة, في الحاضر والمستقبل, فالحوار غاضب والاتهامات والشكوك في كل اتجاه والتحسر والندم علي الماضي وعلي تدني الأخلاق وانحسار روح الوطنية وسيطرة الانتهازية والكسب السريع والوساطة والصراع للظفر بكل شئ, استغلالا ونهبا وأنانية وطمعا حتي انهالت الثروات علي البعض.. واختلت الهياكل الاجتماعية وضاعت الثقة والمحبة وأصبحت الدنيا في خبر كان!! هذا الحوار المسموع الذي جري, علي هذا الحال, بين أبناء الجيل القديم ومن طبقة تعلو الطبقات المتوسطة في المجتمع, لديهم امكانات مناسبة لاتتصارع, تصورت بعدها ماذا يكون عليه حال الحوار بين من هم دونهم ممن يبحثون عن رغيف الخبز في الطوابير أو العلاج بالمجان أو الاقتصادي في أحد المستشفيات.. أو مكان للتعليم في المدارس أو الجامعات الحكومية.. أو يبحثون عن سكن آدمي.. أو وسيلة للنقل والمواصلات أو حياة معيشية متواضعة!! ومن ذلك الذي جري, فأصاب المجتمع بما يجاوز حد الخطر, ما جد علي الساحة خلال الأيام الماضية عند إعلان النيابة العامة قرارها بشأن حفظ أحد تحقيقات تخصيص الأراضي, وبأنه لاتوجد جريمة من جرائم العدوان علي المال العام وبألا وجه لإقامة الدعوي الجنائية.. وبعدها الحكم الصادر ببطلان عقد مدينتي إذ كشف ذلك عن حالة عارمة من الغضب والتشفي والاستنفار والاستهجان, والتصادم أو التسابق من جانب شاغلي السلطات بعضها البعض.. وإطلاق الاتهامات.. صاغها الإعلام بوضوح من هذا الجانب تحديدا, تنبئنا بتجاوز حالة الخطر, وقد بدت واضحة بعد صدور الحكم ببطلان العقد الذي وقعته الحكومة كطرف أول منذ مايزيد علي خمس سنوات, بإقامة مشروع سكني حر في مجتمع عمراني جديد, ومناسبة قيام واحد من الناس برفع دعوي ضد الدولة.. وصدور الحكم بالبطلان, انطلق النشر بعدها عن مقتطفات مثيرة من أسباب الحكم الذي لم يوقع بعد.. واجتاح الرأي العام ذعر وغضب.. من الحاجزين أو المنتفعين وغيرهم, أو ضغينة وشماتة وفرح من آخرين, علي حين لم تحظ تحقيقات النيابة العامة عن ذات الموضوع بذات الاهتمام والايضاح والإعلام.. وتسابقت القنوات في إجراء الحوارات ونشر الأخبار من جانب واحد تسهم في بث الغضب والاستنفار.. وتطوع الناس في التباهي بكيفية التنفيذ بين الهدم الكلي لمشروع أو الحل الوسط أو احترام الدولة لتعهداتها ومسئولياتها.. وتوفيق الأوضاع حماية للاستثمار والمراكز الظاهرة والحقوق واستقرارا للمعاملات والاستثمار في مصر والخارج, إلي أن انتصرت الدولة إلي احترام تعهداتها والالتزام بمسئوليتها, وحماية سمعتها وتعزيز الثقة فيها لدي من يتعامل معها, وهو موقف تحسد الدولة عليه من حيث سرعة المواجهة وشجاعة القرار, بعد أن أعلن رئيس البلاد دعوة الحكومة للبحث عن حل عادل احتراما لتعهدات الدولة أمام الأفراد وأمام العالم, وتعزيزا للثقة فيها وتشجيعا للمستثمرين الجادين للمساهمة في التنمية وتحمل مسئولياتهم الاجتماعية في البلاد. وبعيدا عن التعليق علي الأحكام إلا أن الحكم أصاب ما وقر في الصدور.. كما أن تصادم التصريحات مع الحقائق لمسئولين كبار انحاز الناس إليها بسبب التناقض الساطع بين شرائح المجتمع.. وما جد في السنوات الأخيرة من طفرات في النمو المفاجئ للثروات وخلل في الهياكل الاجتماعية بين الناس وتزايد نسبة الفقر, وتدني حياة الناس المهمشين وبين قلة من أصحاب الثروات, خلق الضغائن والحقد بين أفراد المجتمع, حتي أصابت فئة من بين الطبقات في المجتمع, حتي ولو كان منهم صفوة أو ميسور الحال, ولم يكن هذا الحال قديما, ويتذكر الناس الوقوف بالطابور في الجمعيات الاستهلاكية ينتظرون الحصول علي أساسيات الحياة والمعيشة, ولم يكن هناك غضب ممتد أو احتقان أو ضغينة شائعة لأن الكل كان يعيش أو يتطلع إلي الطبقات الفقيرة في المجتمع سعيا وراء لقمة العيش والحياة لهذا فإن ما جد علي المجتمع كشف عن هذا الحال من التنازع والصراع أو الفزع والتشفي. والحل أيها السادة, وقبل فوات الأوان وحتي ننزع الحقد والضغينة بين أبناء المجتمع بمختلف طبقاته وفئاته, وقد بدا ظاهرا في الرأي العام وكاشفا للاختناق والابتهاج بالكوارث والمحن.. والأزمات.. والتندر علي الماضي الحل أيها السادة في تقريب الفوارق بين طبقات المجتمع, ومصالحة المواطنين, وهو شعار رفعته واحدة من الوزارات السابقة وصفق له الناس واستبشروا به خيرا, لكنه وقف عند حد الشعار فلم يشعر بنتائجه أحد, الحل أيها السادة وقبل فوات الأوان معالجة حال الطبقات التي سقطت إلي الفقر ومن هم تحت خط الفقر.. وضبط تضخم الثروات الطفيلية.. التي تختلط بالثروات الجادة أو الكفاح والجدية في البناء والتنمية.. حتي لايختلط الحابل بالنابل.. التي لم تفرق بينها أحيانا لغة الإعلام.. وانتقلت إلي مدونات الأحكام.. وحوارات الناس, ومنهم ميسورو الحال ويزيد فكان ذلك شماتة وتعاطفا مع غالبية المجتمع. الحل أيها السادة قبل فوات الأوان بمراجعة الدعم والتنمية والبناء وإيجاد حلول عملية وعاجلة من جانب الحكومة ورجال الأعمال والمال وأصحاب الثروات, لرعاية أبناء المجتمع من البسطاء والفقراء ومن هم تحت خط الفقر لرفع مستوي معيشتهم إلي الحدود الانسانية الآمنة معيشة وسكنا وتعليما وعلاجا, وقيام الإعلام بمسئولية التنوير والتوجيه وصياغة الرأي العام وإفساح الطريق لتحقيق العدالة الاجتماعية بين أبناء الطبقات الفقيرة وتقريب الفوارق بين الهوة الشاسعة, وأن نوقظ ضمير المجتمع بدلا من إطلاق الاتهامات وإشاعة الذعر وتعميق الضغينة والحقد لتظل مصر فوق رؤوسنا جميعا تاجا نفخر به ونحميه بعد ذلك الحوار المسموع والحال الذي تجاوز مرحلة الخطر!!