كان من الممكن إعتبار كل منها حادثا منفردا ليس له بالآخرين علاقة أو ارتباط, إلا أن كثافة حدوثهم جميعا وفي فترة محددة, وانكشافهم أمام الرأي العام, وتنوع البيئات شهدت وقوعهم( مظاهرات مستشفيات معتقلات). جعلني أنظر إليهم كوحدة نفسية واجتماعية وثقافية ومزاجية واحدة ودالة علي شكل المجتمع المصري الآن.. وأعني بذلك حالات تعذيب المواطن حمادة صابر الذي تم سحله وتعريته وضربه أمام قصر الاتحادية ثم تخويفه وقهره وإجباره علي تزييف شهادته أمام جهات التحقيق), ثم المواطن محمد جمال أحد مسئولي حركة6 أبريل في المحلة الكبري( الذي تم ضربه وصعقه بالكهرباء وإلقاؤه عاريا هو الآخر علي قارعة الطريق يهذي في لوثة: بلاش كهربا), ثم الشاب محمد الجندي عضو التيار الشعبي( الذي يدعي أهله ورفاقه تعرضه للضرب والكي والصعق بالكهرباء حتي الموت في معسكر لقوات الأمن المركزي), ثم مجموعة الفتيان( الذين تعرضوا عرايا ومربوطين بالحبال والأسلاك لتعذيب منهجي وحشي ومتنوع وموثق بالصوت والصورة في إحدي مصحات العلاج من الادمان), وكذلك عشرات الأطفال( الذين إدعوا إحتجازهم في عدد من معسكرات الأمن المركزي وهم دون السن وتعرضهم كذلك للايذاء والضرب), وقبل ذلك كله ما شهدته أحداث الاتحادية الأولي من تعليق علي أبواب القصر وتعذيب لعدد كبير من المتظاهرين, وضربهم عرايا تم تسليمهم للسلطات تشلب منهم الدماء.. ولعلكم تذكرون في ذات السياق حالات التعذيب فوق سطح مسجد عمر مكرم, والتي سجلها فيلم فيديو, ذائع قبل شهور وحالة التعذيب الشهيرة لمحام من طنطا داخل مكتب سياحي بالتحرير أثناء أحداث يناير1102, وقد تنوعت الشهادات إزاء تلك الحالة وصفت شدتها بأنها فوق إحتمال البشر( ضربا وصعقا).. الموضوع كما ترون ليس مقصورا علي مؤسسة الشرطة وأفرادها, ولكنه مزاج سائد متي أتيح لأحد الأشخاص أيا كان عمله أو انتماؤه إمتلاك القوة بغير حساب, يعني حدث في البلد نوع من تحويل التعذيب إلي( نشاط أهلي) أو تمت خصخصة التعذيب إذا جازالقول, وهو ما يتسق مع تراث مصري جدا يتصل بمعاملة الخادمات, وبضرب الزوجات وبمسلك بعض الحرفيين إزاء صبيانهم وظواهر أخري مشابهة. المعذب( بكسر الذال) أو الشخص الذي يقوم بالتعذيب هو شخص تعس بائس يشعر بالدونية فيحاول تغطيتها بالاستكبار والتجبر, وهو لا يجد نفسه إلا بسحق من هو أضعف منه أو أصغر أو أقل قدرة علي الالتجاء لمؤسسات القانون والضبط, وهذا ببساطة هو حال المصريين اليوم, وقد تمكن منهم شعور النيل من كرامة كل من يخالفهم أو يتحداهم أو يناقشهم أو الذي يتحلي بتفوق اجتماعي أو ثقافي لايكسرهما إلا الإذلال والمرمطة.. كل يشعر بأنه مكسور ومسحوق ومن ثم ينزع إلي إفراغ رد فعله في شخص أضعف منه وعبر كسره وسحقه.. الشرطة مكسورة, وتمورجية مصحة الادمان وصاحبها تسحقهم أفكار ومشاعر متنوعة إزاء أولاد الذوات المدمنين والذين يعالجونهم, والسياسيون الذين واجهوا اضطهاد الدولة وأجهزه قمعها يريدون تعذيب السياسيين الآخرين, وست البيت تضرب الخادمة لأنها أجمل وتشاغل رجال البيت والجيران, والأسطي تحت ضغوط الحياة وقلة الرزق وحرمانه من العلام يجلد صبيه دون هوادة. بالعربي هو مجتمع يحتاج إلي العلاج من أعلاه إلي أدناه. المزيد من أعمدة د. عمرو عبد السميع