برحيل هيلاري كلينتون دون أن تحقق طموحها في ترك بصمة غائرة ودخول جون كيري وزارة الخارجية يتجدد السؤال ما الذي سيتغير؟. كيري يحمل معه خبرات متراكمة من مهام خاصة وشبكة اتصالات مع الخارج اكتسبها كعضو بارز في الكونجرس, وطموح لتحقيق إنجاز تاريخي بعد اخفاقه في الفوز بالرئاسة, وقناعة بأن الدبلوماسية أفضل من الحروب, لكنه سيصطدم مثل كلينتون بأن المبادرة مقيدة لأن القرار الأساسي يتخذ في البيت الأبيض, وفي يد رئيس غير راغب في مخاطرات خارجية تعوقه عن إعادة بناء الاقتصاد, وبرأي عام داخلي فقد شهيته للتورط الخارجي. قدرات كيري علي الخروج من القفص الحديدي ستكون محل اختبار سريع في ملفات تفرض نفسها. أولها الوضع المعقد في سوريا الذي نضج إلي حد يشكل فيه خطرا أمنيا علي الجيران والحلفاء, ولم يعد يحتمل الانتظار حتي تتفكك الدولة بالاقتتال الطائفي. وثانيا إنقاذ حل الدولتين من براثن المصيدة الاستيطانية الإسرائيلية وتحلل السلطة الفلسطينية في ظل غياب المبادرة الأمريكية القوية. وثالثا خطر امتداد موجات التطرف الإسلامي إلي غرب أفريقيا. ورابعا إعادة قنوات الحوار مع باكستان علي نحو يضمن استقرارا نسبيا في أفغانستان بعد رحيل القوات الأمريكية عنها. والمهمة الأصعب هي إخراج مفاوضات البرنامج النووي الإيراني من الطريق المسدود بسبب إصرار إيران علي إبرام صفقة شاملة مع الغرب وتشبث واشنطن بالعقوبات والتهديد العسكري تجنبا لعمل إسرائيلي طائش يزيد الموقف ارتباكا. إذا استطاع كيري أن يحقق اختراقا في أي من هذه القضايا سيكون قد كسب وقتا ومساحة تمكنه من إقناع أوباما بتحمل المزيد من المخاطرات, وإذا فشل سيكون قد حرق نفسه مبكرا. ولكن البصمة لن تتحقق إلا بتنفيذ ما يسعي إليه أوباما من إعادة صياغة لمفاهيم الأمن القومي والعمل الدبلوماسي يتسق مع تقليص المؤسسة العسكرية ومع أهداف مختلفة علي رأسها حماية الممرات البحرية التجارية وتأمين مصادر الطاقة وتثبيت القدرات التنافسية الاقتصادية في مواجهة منافسة صينية شرسة. المزيد من أعمدة سجيني دولرماني