في تبريره العمل العسكري ضد نظام القذافي للشعب الأمريكي لم يحاول الرئيس أوباما أن يرسخ مفهوما استراتيجيا لاستخدامات القوة العسكرية الأمريكية بقدر ما اجتهد لوضع حد فاصل بين قراره وقرارات إدارة بوش السابقة في خوض الحرب في العراق وأفغانستان. ولدفع الأمريكيين إلي التفكير خارج الصندوق والاعتياد علي أساليب عمل لاتكون الولاياتالمتحدة مطلقة اليد في القيادة وتحديد الأهداف وحسم النتائج في إطار زمني محدد مسبقا. فالتدخل العسكري في ليبيا لم يتسق مع مفهوم بوش للتدخل عندما تكون المصالح الأمريكية المباشرة معرضة للخطر وحين تكون استراتيجية الخروج واضحة ومحددة وفي إطار أهداف قابلة للتحقق باستخدام القوة العسكرية الأمريكية وحدها. أوباما برر تدخله بحماية المدنيين من كارثة إنسانية وفي إطار دولي متعدد الأطراف تحت قواعد الشرعية الدولية, وعلي الرغم من أنه اعتبر إسقاط نظام القذافي هدفا إلا أنه لم يربطه بالعمل العسكري ورفض أن يقحم قوات أمريكية برية وكان حريصا علي تسليم حلف الأطلنطي مهام القيادة بعد الضربات الجوية الأولي أولا حتي يعتاد العسكريون العمل تحت قيادة غير أمريكية, وثانيا حتي يتحمل أعضاء التحالف الأوروبيين المسئولية الكاملة للمشاركة بالعمل والتمويل, وثالثا لتفتيت الانطباع بأن الولاياتالمتحدة علي وشك غزو دولة مسلمة ثالثة. لكن كل ذلك لايعني أننا أمام مفهوم جديد للتدخل العسكري, فلكل حالة شروطها وأوضاعها ووسائلها, بمعني أننا لسنا إزاء مبدأ أخلاقي إنساني يتم تطبيقه حرفيا والتعامل الأمريكي مع الثورات من أجل الديمقراطية في اليمن والبحرين وسوريا والأردن سيكون محكوما بطبيعة الموقع والمصالح المتشابكة والقدرة علي تحقيق توافق دولي للتحرك وتأثيراته علي المحيط الإقليمي, هذا الأسلوب قد لايرضي الجمهوريين الذين يريدون عملا عسكريا قاطعا بقيادة أمريكية منفردة وقد يثير غضب الديمقراطيين الذين يريدون أن تكف بلادهم عن التدخل فيما لايعنيها ولكنه الطريق الذي انتهجه أوباما للتفكير والعمل خارج الصندوق. هذا في حد ذاته قد يكون أمرا طيبا حتي إن كانت فرص نجاحه لتحقيق الأهداف غير مؤكدة لكنه سيظل قاصرا مالم يمتد التفكير خارج الصندوق إلي التحرر من ذهنية11 سبتمبر واعتبار القاعدة والخطر الإسلامي هما محرك الثورات في المنطقة, فهذه الذهنية وراء التردد الخطير في تسليح الثوار وإطالة أمد نظام القذافي وحالة الكر والفر في السيطرة علي المدن وهي تعوق قدرة الولاياتالمتحدة علي احتضان تيار ديمقراطي جارف يمكنه وحده إفراغ خطر التطرف الإسلامي من سمومه. المزيد من أعمدة سجيني دولرماني