الكوارث الطبيعية مثل زلزال اليابان الخطير, عادة ما تكون كاشفة لقدرة الشعوب علي الصمود وتحمل الصعاب, ولكنها أيضا فرصة لمحاسبة الأنظمة الحاكمة علي قدراتها القيادية ودرجة شفافيتها ومدي ما تحظي به من ثقة لدي من تحكمهم. الشعب الياباني الذي أبدي أقصي درجات المسئولية في التعامل مع أزمات القتل الثلاثية الزلزال والتسونامي والرعب النووي ووقف مصطفا في طوكيو لسداد ما عليه من ضرائب, في أوقات الأزمة اجتاز الاختبار بامتياز. لكن النظام الحاكم لا بد أن يحاسب حسابا عسيرا عن الفراغ السياسي الذي فشل في ملئه وتخاذله عن كشف الحقائق الكاملة في وقت لم يكن المواطن الياباني يستحق بأقل منه. فجوة الثفة ترجع جزئيا إلي فداحة المصاب وسقوط كل صمامات الأمان النووي من عمليات التبريد البديلة للمفاعلات المضارة ولكنها تعود بدرجة أكبر إلي ثقافة غائرة من الغموض وعرض أنصاف الحقائق التي انتهجتها شركة طوكيو للكهرباء برضاء إن لم يكن تواطؤا مع المراقبين الإداريين في مواجهة إعلام يقظ كان دائما متشككا في مزايا التزود بالوقود النووي في بلد لم يذق غيره أهواله. الثقافة لم تتغير رغم وقوع الكارثة وحكومة اوتو كان سقطت في المصيدة حين رددت بيانات التطمينات التي أصدرتها الشركة دون أن تتأكد من صدقيتها. الرعب النووي الذي يواجهه اليابانيون ليس بسبب تصدع جدران قلب بعض المفاعلات في محطة فوكوشيما فقط, ولكن في تعثر عمليات تبريد أكثر من11 ألفا من قضبان الوقود المستنفد مخزنة في أحواض داخل المحطة, لأن الشركة وجدت أن تخزينها هناك أقل تكلفة من دفنها في مخازن بعيدة تحت الأرض إلي حين إنشاء مفاعل لإعادة معالجتها. وهو أمر متكرر في محطات نووية كثيرة من الولاياتالمتحدة إلي الصين. ما يحدث في اليابان الآن فتح كل الاسئلة بشأن برامج بناء المفاعلات النووية كمصدر بديل للوقود الأحفوري وتأثيرات تعثر ثالث أكبر اقتصاد علي النمو العالمي وتعطل صناعات تعتمد علي مدخلات تكنولوجية يابانية متطورة ولكنها فوق ما تمثله من محن إنسانية فوق طاقة شعب وحكومة مهما بلغ درجة صموده وقدراته وصدقيته, تطرح علي الجميع مأزق التعامل مع الخطر النووي. فالأمر لا يقتصر فقط علي التخطيط والنظام الهندسي الصارم بل يحتاج إلي نظام حاكم يتحلي بأعلي درجات الشفافية ومجتمع لديه أدوات قوية لمحاسبة من يخفي عنه الحقائق. الزلازل الكبيرة شكلت دائما نقطة تحول للاصلاح السياسي في اليابان وأحسب أن الأخيرة ستكون كذلك ليس في اليابان وحدها بل في كل الدول التي تريد وقودا نوويا. المزيد من أعمدة سجيني دولرماني