ألقت أحداث الشغب والعنف التي اجتاحت معظم المحافظات وعلي رأسها القاهرة ومدن القناة بتداعيات سلبية أضرت بالاقتصاد القومي ودمرت البنية الأساسية للاستثمارات. حيث أحرق المتظاهرون المحلات التجارية واقتحم اللصوص المنشآت التجارية والصناعية, فأصيب النشاط الاقتصادي بالشلل التام بعد ما توقفت معظم القطاعات الإنتاجية وارتفعت أسعار المواد الغذائية إلي أرقام فلكية لزيادة إقبال المواطنين علي تخزين قوتهم اليومي من هذه المنتجات لبضعة أيام بعد إعلان الطوارئ وحظر التجوال. الخبراء أكدوا أن هذه الأحداث ضربت كل محاولات الاصلاح الاقتصادي التي خططت لها الحكومة في مقتل, وأن كل الاستثمارات التي كانت تهيئ نفسها لدخول السوق المصرية قد طفشت بلا رجعة. هروب المستثمرين بداية يؤكد حمدي رشاد رئيس لجنة الاستثمار بجمعية رجال الأعمال المصريين أن هذه الأحداث تركت جرحا غائرا في نفوس وفكر رجال الأعمال الذين كانوا علي وشك أن يحولوا عشرات المليارات من الدولارات لاستثمارها في مصر, وأنه بعد هذه الانقسامات المتعمقة في المجتمع بين أطيافه المختلفة, بات من الضروري توحيد هذه الطوائف بدلا من ترك الفجوة تتسع بشكل يهدد الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي. ويضيف أن الاقتصاد المصري بحاجة إلي جولات تنشيطية كبيرة لإعادة إقناع هؤلاء المستثمرين بالعودة مرة أخري إلي مناخ الاستثمار في مصر بعد ما قامت أعداد كثيرة من رجال الأعمال باتخاذ الخطوات التنفيذية لتحويل رءوس أموالهم إلي مصر لإقامة مشروعات استثمارية ضخمة في مجال البنية الأساسية والمقاولات واستصلاح الأراضي والعقارات.. لكن هذه الأحداث جعلتهم يتراجعون ويتحفظون بجدية علي اتخاذ قرارات الاستثمار لهذه الأموال, وأن هذه التداعيات من شأنها أن تزيد من متاعب الاقتصاد, حيث تتصاعد أعداد العاطلين وتلتهب أسعار المواد الغذائية نتيجة ارتفاع أسعار الدولار وتدهور قيمة الجنيه المصري وإغلاق المصانع والمنشآت التجارية. ويطالب بأن تتوحد القوي السياسية ويضعوا نصب أعينهم المصلحة الوطنية وينظموا مليونيات تحث علي العمل ونظافة البيئة وخدمة المجتمع. انهيار قيمة الجنيه يري الدكتور سعيد عبدالخالق وكيل أول وزارة الاقتصاد الأسبق أن الحكومة الحالية عجزت عن إدارة الأزمة حتي تصاعدت الأحداث, لأنه كانت تلوح في الأفق ارهاصات تشير إلي وقوع أحداث عنف أثناء الاحتفالات بالعام الثاني لأحداث ثورة52 يناير, لكنها لم تتخذ التدابير اللازمة لمواجهة هذا العنف, وأن هذه الأحداث وضعت الحكومة بأكملها في موقف حرج بأنها ليست علي مستوي هذه الأحداث ولابد من حلها وانتخاب حكومة قوية قادرة علي إدارة الأزمات. يقول: إن انعكاسات هذه الأحداث تتمثل في أداء اقتصادي هزيل للغاية ترتب عليه تدهور معدل النمو الاقتصادي إلي5.2% وهروب الاستثمارات للخارج وزيادة معدلات الواردات من المواد الغذائية بعد ما توقفت الغالبية من مراكز الإنتاج وتدمير البنية الأساسية للاستثمار متمثلة في تكدس الشوارع وازدحامها واشعال الحرائق في المرافق والمنشآت الحيوية وإطلاق الشائعات عن تدمير المنشآت الاقتصادية الحيوية حتي أصيب الجنيه المصري بانهيار شديد مما يجعل مؤسسات التقييم الدولية تلجأ إلي تخفيض التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري نتيجة تدني معدلات الاستثمار وانخفاض مستوي المعيشة للسكان وتزايد أعداد الفقراء. يؤكد أن هذه الأحداث توسع من فجوة العجز في الموازنة, فتصيب الحكومة بالارتباك الشديد والعجز عن تقديم الاستثمارات الخدمية للمواطنين. أياد خارجية أما الدكتور شريف دلاور أستاذ الاستثمار والتمويل بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا فيصف هذه الأحداث بأنها الأخطر من تداعيات ثورة52 يناير, وأن مصر لم تشهد أحداث عنف دموية من قبل مثل هذه الأحداث التي اختلطت فيها قوي الشر المعادية مع الاحتفالات الشعبية والوطنية بذكري مرور عامين علي ثورة52 يناير, بل والأخطر من ذلك أن ظهرت جماعات تطلق علي نفسها عبارات فوضوية وعنف تشيع التدمير والتخريب في مرافق الدولة الحيوية مثل جماعة البلاك بلوك التي تستخدم أسلحة بيضاء وحية لارتكاب جرائم القتل والاعتداء علي رجال الشرطة والأبرياء, مما جعل الشارع المصري تسوده موجة من العنف والفوضي عجزت الشرطة عن مواجهتها, وكان نتيجتها أعمال النهب والسلب للمحلات التجارية وإغلاق محلات الذهب والمجوهرات والبنوك وفروعها ومحلات الصرافة, فأصيبت الأنشطة الاقتصادية بالشلل التام, وأصيبت حركة المرور بالشلل, وظهرت هذه الجماعات التي أطلقت علي نفسها هذه المسميات مثل الأناركيه وهي جماعات فوضوية ظهرت بين الشباب الفرنسي في عام8481 وتضاءل دورها ونفوذها الآن, وهو ما يؤكد أن هناك آيادي أجنبية تعبث بأمن واقتصاد هذه البلد, وتسعي إلي إثارة الفوضي وتدمير الاقتصاد, بل لم يقف دورها عند هذا الحد, بل امتد إلي إطلاق الشائعات والفتن لضرب المنشآت الحيوية مثل قناة السويس وإحراق آبار الغاز والبترول لتدمير الاقتصاد بغرض إحداث الفوضي, وبالطبع فإن كل الاستثمارات التي اتخذت قرارها بدخول السوق المصرية قد تراجعت لتزداد متاعب الاقتصاد نتيجة تضاعف أعداد العاطلين وارتفاع أسعار المواد الغذائية وتدهور مستوي الخدمات وتعطيل المرافق العامة مثل مترو الأنفاق والبورصة المصرية ومحاولات الاعتداء علي الأوتوبيسات العامة وسيارات النقل المحملة بالبضائع, وهو ما يعني زيادة نزيف الخسائر بسبب هذه الأحداث. تعرض المصانع للسلب يؤكد الدكتور علاء رضوان رئيس رابطة مستوردي اللحوم والدواجن والأسماك أن الموردين الأجانب فقدوا الثقة في المستوردين وأصبحوا يطالبوا بسداد قيمة البضائع الموردة بالكامل قبل شحنها, مما يمثل ضغوطا مالية كبيرة علي عاتق المستوردين, حتي إن البنوك أصبحت لا تهتم بتدبير العملة إلا لاستيراد الأقماح والدقيق والزيوت والسكر, وتركت مستوردي اللحوم بلا غطاء نقدي, بالرغم أن هذه السلعة تمثل قيمة غذائية أساسية لطبقات كبيرة من الفقراء الذين عجزوا عن شراء اللحوم البلدية لارتفاع أسعارها.. مشيرا إلي أن مخازن هؤلاء المستوردين بعضها تعرض للسلب والنهب من قبل البلطجية, وتعرضت سيارات نقل اللحوم المبردة للاتلاف وسرقة حمولتها, إضافة إلي أن المستوردين قاموا بتكثيف حملات الأمن علي مقار ومخازن شركاتهم, علاوة علي أن قرارات حظر التجوال وفرض الطوارئ في مدن القناة يجعل أصحاب هذه البضائع المستوردة يتحملون نفقات مالية كبيرة في نقل وتأمين بضائعهم أثناء عمليات الشحن أو التفريغ في الموانئ لتأمينها ضد أعمال السلب والنهب من البلطجية. يضيف أن استثمارات مصانع اللحوم المصنعة التي تزيد عن5 مليارات من الجنيهات قد أصيبت بالشلل التام بسبب تهديد البلطجية للعمال وأعمال السطو علي هذه المصانع ومخازنها, إضافة إلي فرض الاتاوات علي أصحاب المصانع وسائقي الشاحنات, وكان من نتيجة ذلك أن بعض المصانع فضلت إغلاقها أو اختصار ورديات العمل إلي ورديتين أو وردية واحدة بدلا من3 ورديات, وهذه المصانع قد تعطلت عن الإنتاج وتأثرت صادراتها إلي الدول العربية والآسيوية والأوروبية, مما ترتب عليه زيادة الأعباء المالية علي السلع المصدرة وزيادة أسعارها بل يعرض هذه البضائع للتلف. ويقول: إن هذه الأحداث تركت بصمات سلبية كبيرة علي قيمة الجنيه, وأصبح تدبير العملة الأجنبية لشراء الخامات دربا من المستحيلات وبأسعار كبيرة, مما ينعكس علي تكلفة منتجاتهم وأسعارها عند التصدير للخارج, حيث تزداد حدة المنافسة. المبيعات صفر يقول اللواء عفت عبدالعاطي رئيس شعبة تجارة السيارات إن نسبة المبيعات بلغت صفرا نتيجة زيادة أسعار الدولار وإلغاء الدعم عن البنزين, وزاد الطين بلة أحداث العنف إذ يحجم المشترون عن شراء السيارات خشية تعرضها للاتلاف في الشوارع أو سرقتها.. مؤكدا أن خسائر شركات تجميع وتجارة السيارات تضاعفت بسبب الركود الحاد الذي أصاب الأسواق, وأن الكثير من المشترين اتجهوا إلي شراء السيارات الاقتصادية والمستعملة بعد الارتفاع المفاجئ في أسعار السيارات, إضافة إلي أن الانفلات الأمني والفوضي التي سادت الشارع المصري جعلت المواطنين يتراجعون عن شراء السيارات.