في ظل التوقعات الدولية التي تشير إلي أن احتياطيات النفط العالمية لن تستمر طويلا باعتباره مصدر طاقة مستنفدة, لا تزال القارة الإفريقية كأخواتها الخمس الأخر, الأمريكتين وأستراليا وأوروبا وآسيا. تري في الوقود الحيوي أو البيولوجي ملاذا آمنا وبديلا أفضل من النفط, وذلك باعتباره مصدر طاقة مستدامة أقل سعرا صديقا للبيئة وأكثر نظافة من الوقود الأحفوري, ومن ثم فإنها تراهن علي ربط مستقبلها التنموي به وتخصص قدرا ملموسا من موازنات دولها للاستثمارات المتعلقة به وبتطويره. ولكن وسط هذه النشوة العارمة بالتوصل إلي مثل هذا المصدر الجيد من الطاقة وتعاظم سبل الاستفادة منه يأتي مكمن الخطر المتمثل في أن الوقود الحيوي يتم الحصول عليه كمصدر للطاقة من الكائنات الحية' النباتات والحيوانات', وهو ما يشكل خطرا جسيما علي الأمن العذائي للبشر ويتركهم في مهب الريح عرضة لمشاكل جسام أبسطها ارتفاع أسعار الطعام بشكل جنوني علي غرار ما حدث عام8002 عندما أفرطت معظم دول العالم آنذاك الوقت في إنتاجه نظرا لارتفاع أسعار البترول وقتها. وبالتالي يقف العالم كله الآن وبالأخص قارته السمراء, التي يعاني معظم شعوب دولها الفقر والمجاعة أو علي أبسط التقديرات نقصا غذائيا متفاوت المعدلات, بين تناقض عجيب وغير مسبوق يدور ما بين المضي قدما تجاه إنجاز مشروع من هذا النوع' إنتاج الوقود الحيوي' لتوفير مصدر أفضل للطاقة النظيفة وكبديل جيد للنفط الذي لا تعرف أسعاره استقرارا علي أي أمد كان وبين الإحجام عن إنتاجه لعدم المساس بالأمن الغذائي للأفارقة الذين يعانون للتو وبامتياز مشاكل عذائية جمة, وذلك نظرا لاعتماد الوقود البيولوجي في بعض حالات إنتاجه علي محاصيل وحبوب زراعية يستخدمها الإنسان كغذاء له كقصب السكر والذرة والفول الصويا أو اعتماده علي نباتات لا تستخدم كغذاء له كنبتة الجاتروفا ولكنها تزاحم المحاصيل الغذائية للبشرر وتنافسها علي رقعة أو مساحات الأراضي الصالحة للزراعات الخاصة بهم. ولا شك أن هذه الإشكالية توقف الجميع في القارة الإفريقية الآن أمام معادلة بالغة الصعوبة لا يمكن تحقيقها علي النحو المطلوب إلا من خلال محاولة جادة للجمع التوافقي علي النحو الأفضل بين هذين المتناقضين, وهما إنتاج الوقود الحيوي كمصدر للطاقة النظيفة تستفيد منه شعوب هذه القارة مع عدم تهديد أمنهم الغذائي في آن واحد ودون أن يطغي أحدهما علي الآخر ولو في أضيق الحدود, وهو ما يتطلب لتحقيقه دراسات محسوبة جيدا وعالية المستوي. وببساطة هناك أسباب عدة تقف وراء الاهتمام بهذا المصدر من الطاقة المتجددة وتشجع علي إنتاجه وتعاظم حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية في مشروعات متعلقة به أبرزها دافع بيئي يهدف للحد من الغازات المنبعثة من الوقود الأحفوري ثم دافع تأمين الطاقة التي باتت مصادرها التقليدية مهددة بسبب انحصارها في عدد محدد من البلدان تارة واقتراب كمياتها واحياطياتها من النفاد تارة أخري, وهذاعلي عكس الوقود الحيوي الذي يمكن أن يكون منتشرا أو متوزعا بين دول القارة كافة وبشكل مستمر مع قدرته علي تحقيق عائدات أفضل. وقد نجحت مؤخرا بعض دول القارة السمراء كالسودان في اكتشاف وزراعة نبتة الجاتروفا التي تعد الأكثر غنا بالوقود الحيوي من النباتات الأخري والبديل الأفضل للمحاصيل الغذائية التي يتم الحصول منها علي مادة' الإيتانول' التي يأخد منها الوقود الحيوي في مراحل لاحقة. وتسعي الخرطوم حاليا لزراعة مليون فدان بهذة النبتة لإنتاج مليوني طن من هذا الوقود الحيوي كل عام, وذلك للمساهمة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذا المصدر من الطاقة والذي سيجعلها قادرة علي الحصول علي عائدات سنوية من ورائه تقدر بمليار ونصف المليار دولار. ولكن بالرغم من كل تلك المزايا التي يجنيها سكان إفريقيا من وراء تنفيذ مشروع الوقود الحيوي والتي من أبسطها نقل الثروة الناتجة عن هذا المصدر من الطاقة من المدن والمدن العواصم إلي الأرياف المختلفة والمناطق النائية بدول القارة, وهو ما سيؤدي إلي توافره بها كمصدر طاقة بديل للوقود التقليدي' النقط' الذي يصعب وصوله إليها أحيانا أو يستحيل في أحيان أخري, إلا أن سلبيات الوقود البيولوجي الواضحة ولا يمكن اختزالها في مجرد تهديد الأمن الغذائي بتلك القارة بل إنها تتعداه أحيانا لتصل إلي خلق أزمات وتفجير صراعات ونزاعات قبلية أو طائفية علي حيازة الأراضي بهدف زراعتها بالمحاصيل والنباتات التي يستخرج منها هذا الوقود الحيوي, وهو ما دفع أيضا شركات أجنبية للتسابق علي الاستيلاء علي الأراضي ب11 دول إفريقية والتي وصلت المساحات الصالحة لزراعة محاصيل إنتاجه بها الآن إلي5 ملايين هكتار. ولا يمكن أيضا إنكار أن هناك حملة شعواء تشنها بعض دول القارة حكومات وشعوبا ضد المساحات الخضراء التي تتمثل في التخلص من مناطق نباتية ومحميات طبيعية بهدف زراعة الجاتروفا وأشجار زيت النخيل وغيرهما لإنتاج الوقود الحيوي الذي سيظل مبعثا للأمل ومكمنا للخطر في الوقت ذاته بالقارة السمراء. ولهذا ولحين إشعار آخر يتمثل في استصلاح المساحات الصحراوية الشاسعة وزراعة الأراضي الخصبة المهجورة أو المهملة لإنتاجه بعيدا عن الأراضي المخصصة لزراعة المحاصيل الغذائية, فضلا عن حل أمثل يتمثل في استخلاص وإنتاج الوقود الحيوي من فضلات وبقايا النباتات الحيوانات من خلال ما يعرف ب التحليل الصناعي لها, وهو ما من المؤكد أنه سيحقق في مجمله أعلي قدر من الموائمة والتوازن بين الأمرين شريطة اضطلاع الحكومات في مختلف الدول الإفريقية بدورها خاصة في ضخ الاستثمارات اللازمة وفض المنازعات القائمة علي الأراضي والحيلولة دون اندلاع المزيد وهذه هي الخطوة الأولي التي ينبغي تحقيقها بشكل فوري الآن وإتباعها لاحقا بخطوات أخري لا تزال القارة الإفريقية البكر في انتظار المزيد منها لتحقيق تلك المعادلة الصعبة ألا وهي انتاج الوقود الحيوي والحفاظ علي الأمن الغذائي.