صراع سياسي.. اختلاف عقائدي.. كل قوي تحاول أثبات الذات في المعركة الدائرة حول كتابة الدستور.. قوي إسلامية تري أن المشهد بمثابة فرصة سانحة لامتطاء صهوة الحكم بالشريعة وقوة أخري ليبرالية ويسارية تري ضرورة الصراع بدعوي أن الدستور غير مناسب.. وما بين الرأيين حالة غموض دفعتنا للبحث عن تفسيرها من خلال طرح سؤال علي خبراء علم النفس للوقوف علي أسرار الصراع النفسي بين أصحاب الرؤي المختلفة وكان السؤال: ما هو التحليل النفسي للصراع حول التأسيسية؟ الدكتور أحمد البحيري استشاري الطب النفسي يري أن عملية التحليل النفسي للصراع حول الدستور تشمل ثلاثة جوانب في مقدمتها تدخل الهوي مقابل العقل في اتخاذ القرار, فنجد أن هناك اتجاها في الجمعية التأسيسية يري أنه يجب توفير الحرية وأن كل حلول المشاكل اليومية ليست في الدين مثل بناء كوبري وتوفير خدمات صحية عادلة وقضاء متطور وأصحاب ذلك الاتجاه يرون أن الحلول الدينية لا تكفيها ويجب تشجيع الابتكارات الإنسانية وكل هدفهم هو إعطاء الفرصة للتفكير الإنساني, أما أصحاب الاتجاه الآخر فيشير البحيري إلي أنهم يرون انه يجب اتخاذ رأي الشريعة في كل شيء فيها, فبعضهم يري ضرورة تقييد كل بند في الدستور بما لايخالف الشريعة وهنا يتضح حب وهوي وميل هذا الاتجاه بوجوب ارتباط كل الامور بالدين ومابين اتجاه يهدف لوجود قوانين منبعها التفكير الإنساني الحر واتجاه يريد قوانين منبعها الدين يحدث صراع نتيجة الاختلاف في أساس اتخاذ القرار بالرغم من إننا بدون فتوي إلا أن الشريعة والدين تجري وراء مصلحة الفرد والمجتمع. هذا فضلا عن ان الصراع نتيجة عمل المجموعات يتميز بالاختلاف وفقا للفطرة وهذا مايخلق حركة الحياة من انتاج للافكار والاموال وكذلك لتبادل الادوار في إطار الديمقراطية, فالحاكم يصبح محكوما أو العكس أو يصبح الحاكم مهددا ويجعله تحت الضغط النفسي لينتج أفضل وهذا كله يصب في إطار المصلحة العامة. أما الخطر الحقيقي فيكمن في سيطرة قوي علي حساب الاخري في المجموعة ليس لأفضلية تفكيرها ولكن لقوة تأثيرها بطريقة ما فيأخذ برأيها رغم عدم اقتناع المجموعة والمشكلة ان هذا النوع من التفكير لا يعبر عن الجميع ولاينتج الاستمرارية ويكون معرضا للتغيير لانة تفكير من طرف واحد يملك التأثير علي الآخرين. والنوع الأخير من الصراع هو عملية توزيع المسئولية عند اتخاذ القرار, والتي تعطي أنطباعا للافراد بأنهم ليسوا في أفضل حالاتهم لانخاذ القرار, فيجب ان يتعامل كل عضو بالتأسيسية علي أن موضوع الدستور بالنسبة له هو امر شخصي وعام في نفس الوقت من اجل التوازن النفسي. بينما يري الدكتور يحيي الرخاوي أستاذ الطب النفسي أن الجزء النفسي الذي تشمله السياسة هو سياسة أيضا.. فالاختلاف ضروري في الممارسة السياسية حتي في مراحل الإعداد للقواعد المتفق عليها في إدارة الاختلاف وهو دليل حيوي مادامت الأساليب المستعملة فيه شريفة ومعلنة ومتكافئة. ثم إن مجرد كتابة الدستور نفسه ليست نهاية المطاف, بل هي بداية تكوين الملامح الدائمة للدولة الجاري تشكيلها, وهو لا يكون مقدسا إلا من خلال الممارسة النافعة لمن وضع من أجلهم, والدستور أساسا هو البرنامج الحيوي الذي يحفظ بقاء النوع عند الإنسان, وحتي بالنسبة للتاريخ البشري, فإن العرف قبل القانون هو الذي أرسي قواعد ما يسمي العقد الاجتماعي لجماعات البشر عبر التاريخ, وبتعبير آخر فإن الدساتير الحقيقية التي حفظت البقاء لسائر الأنواع كانت هي برامج البقاء الحيوية, ثم ظهرت دساتير البشر في الممارسة لترسم حضارة الجنس البشري, وكل ذلك لم يكن مكتوبا في وثائق محفوظة. ولولا فضل المحكمة الدستورية العليا في وضع سقف للتجاوزات, لتصورت أن الدستور العرفي الشفاهي هو الأكثر تناسبا في مرحلة النقلة الحضارية التي تنتظرها مصر حاليا, لكن النيات غير خالصة عند كثير من الفئات المختلفة. إذ يبدو ان هناك من يحاول أن ينتهز الفرصة ليحقق القهر علي من يخالفه من خلال حشر ألفاظ مواد يقحمها إقحاما في مواد مشروع الدستور وآخرون يراوغون فيضعون ألفاظا ملتبسة وهم يعلمون مدي الحيرة التي يمكن أن تقابل عند تأويلها, ويرسمون كيف تكون كفة التفسير لمن في يده السلطة, أنا أعتقد أن هذا هو خيانة للأمانة أربأ أن يتصف بها أي من أفراد اللجنة, وأن ينتبه إليها أغلب من وجدوا أنفسهم في موقع المسئولية في هذه اللجنة, وأن يعلم الجميع أن التاريخ لن يرحم. أما الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي ورئيس الجمعية العالمية الاسبق فيري أن القيم والأخلاقيات تنبع من وجود دستور يعبر عن الشعب بأكمله ولكن المأساة الحقيقية أن الاغلبية التي ستقرر مصير هذا الدستور تنفرد برأيها علي حساب المجموعات الأخري من الشعب ومن خلال التلاعب بالالفاظ بان الدستور سيقدم للاستفتاء الشعبي والذي يكون40% منهم من الآدميين و50% تحت خط الفقر ولا يهتم إطلاقا بوجود دستور من عدمه ولايستطيع فهمه وغالبيتهم يأخذون القرار دون وعي. ووصف عكاشة الصراع حول الدستورية بأنه قائم علي تحقيق مصالح كل قوي علي حده وان هناك تكوينا نفسيا لكل اتجاه يدفع الي الوقوف في معسكر ضد الآخر والدفاع عن مصالحه, لكن غياب المرونة في النقاش يزيد بلا شك من حدته كما أن هناك قوي لا تؤمن الا بتطبيق ما تعتقده وفقا لسماتها النفسية.