أصبح الاقتصادي المصري محاطا بمجموعة كبيرة من التحديات, التي تحتاج إلي مناقشات وحلول عاجلة, حتي يمكن تجاوز المرحلة الحرجة, التي تؤثر علي عيشة المواطن البسيط. وهنا يمكن التوقف عند موضوعين مهمين.. الموضوع الأول هو رغيف الخبز في العشرة قروش. فعلي الرغم من أن رفع ثمن رغيف العيش إلي عشرة قروش سيؤدي الي تخفيف عبء الدعم عن الميزانية, خاصة مع الارتفاعات الكبيرة في مستويات الأسعار وبقاء ثمن الرغيف علي هذا النحو منذ زمن طويل, الا أن هذا ليس هو الوقت المناسب لاتخاذ هذه الخطوة في ظل الظروف الاقتصادية القاسية التي نمر بها والتي تنعكس أساسا علي المواطن البسيط من خلال نقص فرص العمل المتاحة وزيادة البطالة وارتفاع أسعار السلع المختلفة بما فيها سلع الطعام الأساسية. فافتراض أن رغيف الخبز ذا الخمسة قروش سيستمر في السوق جنبا إلي جنب مع ذي العشرة قروش افتراض لن يتحقق, حيث إن السلعة الأعلي سعرا والأقل دعما تطرد دائما السلعة الأخري المماثلة الأكثر دعما والأقل ربحية في السوق. وهذا حدث بالنسبة لرغيف الخبز عندما تم تداول رغيف الخبز ذي القرشين جنبا إلي جنب مع رغيف الخبز ذي القروش الواحد, وأيضا عندما تم تداول رغيف الخبز ذي الخمسة قرش بجانب رغيف الخبز ذي القرشين. ففي الحالتين اختفي رغيف الخبز ذو السعر الأقل والدعم الأكثر من السوق بعد فترة وجيزة تاركا السوق بأكملها للرغيف الجديد ذي الدعم الأقل والربحية الأكثر. وهذا هو المتوقع حدوثه إذا ما تم تداول رغيف العشرة قروش بجانب الخمسة قروش. أما ما نقرأه في وسائل الإعلام من أن مخابز القطاع العام هي وحدها التي ستقوم بإنتاج الرغيف ذي العشرة قروش لضمان نوعية جيدة للخبز وعدم استهداف الربح, فهذا لا يمكن تحقيقه واقعيا. ويرجع ذلك الي انخفاض عدد مخابز القطاع العام بالنسبة لاجمالي مخابز الجمهورية; فالقطاع الخاص هو الذي لديه النسبة الأكبر من المخابز. ومعني ذلك انه من المتوقع احدي الحالتين, وكلاهما مر. الحالة الأولي أن ينفرد القطاع العام بإنتاج رغيف العشرة قروش وحده مما يعني قلة المعروض من هذا الخبز مما يؤدي الي خلق سوق سوداء في تداوله. والحالة الثانية هي السماح للقطاع الخاص بانتاج هذا النوع من الخبز لسد النقص في المعروض منه مما سيؤدي الي تدهور النوعية بعد فترة قصيرة من الوقت من أجل استهداف زيادة الربح من جانب القطاع الخاص. فاذا أضفنا الي ذلك ما قرأناه في الاعلام بأن حجم دعم رغيف العشرة قروش سيكون نفس حجم دعم رغيف الخمسة قروش, حيث إن الخمسة قروش الزيادة في ثمن الرغيف ستوجه الي تحسين نوعيته, فان طرح رغيف الخبز ذي العشرة قروش لن يؤدي الي تخفيض الدعم في الميزانية, وانما ما سيؤدي اليه هو التخلص من الرغيف ذي الخمسة قروش تدريجيا كما أثبتت التجربة, وبالتالي الاضرار بمنخفضي الدخل في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها الاقتصاد المصري. الموضوع الثاني هو قرض صندوق النقد الدولي والتخوف من ارتباطه بشروط غير ملائمة للاقتصاد المصري. وأتذكر هنا لقائي مع أحد خبراء الصندوق في واشنطن في أواخر الثمانينات حيث كنت في مهمة علمية هناك, وكانت مجموعة طرق الأبواب من الخبراء المصريين قد انتهوا في مفاوضاتهم مع الصندوق الي شروط تنطوي علي آثرا سلبية علي الاقتصاد المصري حينذاك. وعندما أبديت دهشتي لخبير صندوق النقد الدولي لما توصلوا اليه من شروط, وأوضحت له تحليليا ما سيترتب علي دلك من آثار سلبية علي الاقتصاد المصري, كان رده نحن لا نعرف ذلك ولم نبلغ بهذه الأوضاع للاقتصاد المصري! اني أذكر هذه الواقعة الآن لأنبه المسؤولين في مصر الي أهمية اختيار أعضاء فريق التفاوض, راجية أن يقع اختيارهم علي مجموعة من الخبراء ذات مستوي عال علميا, ويكونون علي دراية كبيرة بأبعاد ومشاكل الاقتصاد المصري. فهذا يمكننا من الوصول الي شروط اتفاق مع الصندوق ملائمة للتطبيق لدينا. فمصر عضو في صندوق النقد الدولي وتتبع اقتصاد السوق وهو نفس الاتجاه المتبع من الصندوق, وبالتالي الاختلافات في التفاوض معه لن تكون خاصة بادخال تغييرات هيكلية علي الاقتصاد المصري, وانما ستقوم أساسا علي نوع آليات الاصلاح الاقتصادي وعلي أولويات هذا الاصلاح. فاذا كان فريق خبرائنا المفاوض علي علم جيد ببدائل آليات الاصلاح المناسبة لنا وبأولويات هذا الاصلاح بناء علي ظروف الاقتصاد المصري, فأنا لا أري صعوبة في هذه الحالة للوصول الي اتفاق يرضي الطرفين. فهدف الصندوق هو مساعدة الدول التي تعاني من صعوبات اقتصادية للتغلب علي هذه الصعوبات باستخدام آليات اقتصاد السوق. فاذا استطعنا أن نجمع بين الخبرة الدولية للصندوق بهذه الآليات نتيجة لعمله مع دول مختلفة, ومعرفة خبرائنا المفاوضين بدقائق الاقتصاد المصري من حيث مشاكله وأولياته, سيمكننا أن نصل الي اتفاق مع الصندوق يساعدنا في حل بعض مشاكلنا في ضوء أولوياتنا نحن, خاصة أنه حدث تغيير بالفعل في منظور الصندوق لأولويات الدول النامية واستراتيجيتها بعد أحداث ثورات الربيع العربي. وبناء علي ذلك أري ان مسؤولية تطبيق سياسات غير ملائمة للاقتصاد المصري كشروط مصاحبة للقرض المقترح تقع أساسا علينا, وليس عليهم, وذلك اذا ما أخفقنا في اختيار الفريق الفني الملائم للتفاوض مع الصندوق. والآن الكرة في ملعب متخذي القرار لاتخاذ ما يرونه مناسبا من سياسات بخصوص هذين الموضوعين الهامين. استاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر المزيد من مقالات د.كريمة كريم