من سمات سورة الحجرات ثراؤها بالآداب الاجتماعية التى تحفظ العلاقات بين أفراد المجتمع، فقال تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ). ويقول الدكتور أبو اليزيد العجمى أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم: إن نظرة سريعة لمحتوى هذا النداء تظهر لكل منا بعض العيوب التى نراها ونلمسها، بل وربما نمارسها، ظنا منا أنها صغائر لا تفسد الحياة لكنها أى الآيات بقدر ما تعرينا أمام أنفسنا تظهر خطر هذه العيوب إذا تفشت فى مجتمع ما، بل وتبين أنها جرائم تقتضى التوبة، ولا منجى منها إلا بالتقوى والالتزام بتنفيذ هذه النواهى، درءا للفساد، ومنعا للقطيعة والتباغض. ومن تربويات هذا النداء الذى هو أمر واجب الطاعة: أولا: ينبغى أن تضبط النفس بضوابط الشرع فى تقدير الناس والتعامل معهم، فيكون المقياس (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) و «كلكم لآدم وآدم من تراب» ثانيا: من الأدب ألا يلمز المسلم أو المسلمة أخاه أو أختها تعريضا وتجريحا، ومن الأدب كذلك ألا يذكر الإنسان أخاه بلقب يكرهه، ولا يحبه لأن ذلك فسوق وعصيان، ويخلع عن النابز بالألقاب صفة الإيمان، ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ظلما بينا، يظل عليه إذا لم يغسله بالتوبة. ثالثا: الآيات هنا تتعامل بالظاهر والله سبحانه يعلم السرائر، ولذا فإن شغل الإنسان نفسه بالظن أو الشك فى أهل الخير أمر معيب لأنه من جهة يتدخل فى النيات، ونحن لم نؤمر أن نشق عن صدور الناس، ولا أن نفتش فى سرائرهم فالله أعلم لأن هذا ظن. رابعا: لا يلتام ما جرح اللسان. تلك التي تغتاب الآخرين وتجرح فى أعراضهم، والغيبة أن تذكر الرجل فى غيبته بما يكره حتى ولو كان موجودا فيه، فإن لم يكن هذا الوصف فيه فقد حدث البهتان والافتراء والاختلاق. خامسا: إن تنفير القرآن الكريم من الغيبة بمثل تعافه النفس السوية لأكبر دليل على أن الغيبة والنميمة عوامل هدم فى العلاقات بين الناس من جهة، وأمر تعافه الفطرة السليمة من جهة.