لا يسلم أى مجتمع من الآفات التى قد تكون سببا فى كثير من الفوضى والنزاعات والتفرق، ولذلك اهتم الإسلام بعلاج هذه الآفات وذلك بذكرها والتحذير منها وتشديد العقوبة على فاعلها حتى يعيش المجتمع الإسلامى فى أمن وأمان وألفة واطمئنان، ومن هذه الآفات التى نهى عنها الشرع الهمز واللمز والسخرية، والاستهانة، والتنبيه على العيوب والنقائص على من يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة فى الفعل والقول، أو بالإشارة والإيماء. ومثل هذه الصور التى نشاهدها فى حياتنا اليومية هى ظلم قبيح من الإنسان لأخيه الإنسان، وعدوان على كرامته، وإيذاء لنفسه وقلبه، وتقطع الروابط الاجتماعية القائمة على الأخوة والتواد والتراحم، وتبذر بذور العداوة والبغضاء، وتولد الرغبة فى الانتقام، ما استطاع المظلوم بها إلى ذلك سبيلا . ويقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم عميد كلية أصول الدين بأسيوط، إن من أعظم الذنوب التى تجرى بين الناس فى هذه الأيام سواء كانت فى الطرقات أو مواقع التواصل الاجتماعى الهمز واللمز، ولابد أن نلقى الضوء على هذه الكبيرة لنحذر الناس منها،هذه الكبيرة يكفى فى ذمها والتحذير منها، أن الله عز وجل سمى سورة فى القرآن باسم سورة «الهمزة « والتى بدايتها قوله تعالى «ويل لكل همزة لمزة « ، والهمز واللمز هو الطعن فى الناس عموما، واللمز: هو الطعن من الخلف، وقيل الهماز الطاعن بالقول، واللماز الطاعن بالفعل. والهمز واللّمز هما من صور الغيبة المحرّمة التى نهى عنها الشارع الحكيم، حيث جاء فى الحديث الذى رواه أبو هريرة رضى الله عنه: « أنّه قيل: يا رسول الله، ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان فى أخى ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه»، وقد جاء ذكرهما فى القرآن الكريم فى قوله تعالي: « وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ « [الهمزة: 1]، وفى قوله: « هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ» [القلم: 11]، وكل ذلك حرام وكبيرة من الكبائر بنص القرآن الكريم بقوله تعالى «ويل لكل همزة لمزة « أى هلاك وعذاب شديد وعقاب أليم وقيل إن هناك واديا فى جهنم أعد لمن كانت عاداته أن يعيب فى الناس وأن يحط من أقدارهم سواء كان هذا أمامهم أو من وراء ظهورهم، وقد حذر النبى عليه الصلاة والسلام من كل ذلك فقال صلوات الله عليه: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته يفضحه ولو فى جوف رحله»، وها نحن ننصح كل قرائنا الكرام أن يبتعدوا عن هذه الكبيرة التى أصبحت فاشية بين كثير من الناس. من جانبه، أوضح الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق، أن الإسلام دائما حريص على علاقات الناس بعضهم بعضا وعلى ترابط المجتمع وحمايته من التفكك وأن يظل مجتمعا قويا صلبا يؤازر بعضه بعضا ويساند بعضه بعضا ويتعاونون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، فجمع أسرة المجتمع برباط واحد وجعلهم كالجسد الواحد يتألم كل فرد فيه لألم أخيه ويسعد لسعادته ويعاونه فى السراء والضراء: «مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» ، وحب المؤمنين بعضهم بعضا شرط من شروط الإيمان، لكى يخشاهم من حاول أن يفرق صفوفهم وتظل أمه الإسلام شامخة قوية لا يزعزعها ولا يفتت وحدتها ولا ينال من قوتها همز هامز ولا لمز لامز، إن هؤلاء الذين يصطادون فى الماء العكر أو يتصيدون فى المحن والشدائد متنكرين تحت ادعاءات كاذبة وخلف كلام ليس هو بالحقيقة ونشر شائعات تثير الفوضى والفزع، وكل ذلك لا يجوز ولا يصح والمولى عز وجل نهى عن ذلك نهيا قاطعا، وقال سبحانه وتعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)، ( 11 و 12 سورة الحجرات).والمولى عز وجل يبين أن من يفعل ذلك هو من الظالمين الآثمين الذين ينالهم غضب الله عز وجل.