عودة الى المشهد السودانى الذى تناولناه هنا يوم الجمعة قبل الماضى ومن يومها والخلافات لا تزال مستمرة حول الحكم العسكرى والحكم المدنى ولا تزال الشعارات مرفوعة باسم الديمقراطية ولا يزال الحزبيون يضغطون لسرعة الوصول إلى الحكم عن طريق مجلس انتقالى مدنى عسكرى او عن طريق الانتخابات النيابية وفى الوقت نفسه فلقد تلقيت اتصالات عديدة من أصدقاء سودانيين ومن مصريين مهتمين يعترضون على ما انتهى اليه مقالى السابق من دعوة المجلس الانتقالى العسكرى الى الاستمرار فى السلطة لمدة عامين دون الرضوخ إلى طلب الأحزاب وبعد مناقشات حامية وافقنى العقلاء على وجهة نظرى بأنه لا ضرورة إلى العودة إلى نفس الدائرة الخبيثة التى كانت تحكم السودان ويجرى تداول الحكم فيها بين المدنيين والعسكريين فقد ثبت أن هذه التجربة فاشلة. ومن ثم فإن الحل ليس هو إجراءات انتخابية نيابية عاجلة وإنما هو تحقيق الاستقرار فى البلاد وإعادة هيكلة وتنظيم النظام الحزبى فقد أكدت التجارب السابقة فشل هذه الأحزاب وابتعاد العناصر المثقفة السودانية. ولذلك فإننا نرى استمرار المجلس العسكرى المؤقت بشروط أهمها الدعوة إلى صياغة نظام سياسى جديد للسودان يضمن إتاحة تشكيل الأحزاب لتضم كوادر فاعلة من القوة الحديثة وبينها الاتحادات والنقابات والجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات والمثقفين والمهتمين بالقضية الوطنية. وفى الوقت نفسه ضرورة تعميق وتوسيع الهوية السودانية الوطنية التى ضاعت وسط ارتفاع نبرات الهويات الطائفية والجهوية والقبلية. واعتقد أن هناك دراسات سودانية جاهزة فى هذا المجال وأنه يمكن البدء فى ذلك بتشكيل لجنة عمل من العسكريين والمدنيين المخلصين وصولا إلى تحقيق المطلوب . ومن المهم فى صياغة النظام الجديد تحديد الهوية السودانية من حيث علاقاتها بدول الجوار والهوية العربية والهوية الإفريقية وموقعها فى دول الجنوب وكل ذلك فيما يصب فى النهاية فى مصلحة الشعب السودانى الذى عانى طويلا ويحتاج إلى تنمية شاملة تعمل على تعميق وحدة الدولة السودانية بشرقها وغربها إذا ما انتهت النعرات الجهوية التى تعمل على التفكيك وليس على التوحيد. إن المجلس العسكرى المؤقت الحالى يدرك حقائق الموقف ويعرف من هو الصديق ومن هو العدو وما هى الدول التى تقف بجواره وتسانده كما يدرك أيضا وجيدا محاولات التقرب منه التى تقوم بها دول معينة بقصد اختطاف السودان. لمزيد من مقالات محمود مراد