وجاء انقلاب مايو 1969 الذى قاده النميرى، وعبّر فى جانب كبير منه عن التفتت والاستقطاب فى الحياة السياسية السودانية من جانب وعن ازدياد تأثر السودان بالتحولات العربية بعد هزيمة 1967 من جانب آخر. فى قول آخر، إن انقلاب مايو 1969 عكس الارتباط الأصيل للأوضاع الداخلية السودانية بالأوضاع الإقليمية العربية والشرق أوسطية.. فى ظل هذا الملمح جاءت مقتضيات معظم انتخابات نظام مايو 1969 - 1985. وضع مجلس الشعب الأول فى حكومة مايو دستوراً لأول مرة فى تاريخ السودان واستمر العمل به حتى عودة الانتخابات البرلمانية بعد انتفاضة أبريل 1985، تميزت فترة حكم مايو بوجود تنظيم سياسى واحد هو تحالف قوى الشعب العاملة التى شكلت فئات المثقفين والتنكنوقراط العمال والمزارعين والجند أهم فئاتها يمثلهم الاتحاد الاشتراكى، على غرار الاتحاد الاشتراكى العربى فى مصر، وتكملة للمؤسسات الدستورية صدر قانون الانتخابات عام 1972 لمجلس الشعب القومى، وأجريت الانتخابات للمرة الأولى فى فترة حكم مايو 1974، لتفضى هذه الانتخابات لجمعية تأسيسية تضع دستوراً دائماً للبلاد. مجلس الشعب القومى الأول 1972 1973: لم تشارك قوى الأحزاب السياسية فى انتخابات مجلس الشعب القومى من خلال الدوائر ال125، إلا رجالات الإدارة الأهلية وبعض قادة الحزب الاتحادى، إلى جانب العناصر المنشقة عن الحزب الشيوعى السودانى، فصدر الأمر الجمهورى بتعيين 10٪ من الأعضاء فاكتمل المجلس بإعلان نتائج الانتخابات ليتكون أول مجلس شعب قومى بتاريخ 1974. مجلس الشعب الثانى 1974 1977: استطاع مجلس الشعب الأول وضع دستور دائم بالبلاد للمرة الأولى فى تاريخ السودان التشريعى، لم تختلف الانتخابات التى أجريت لانتخاب مجلس الشعب الأول عن انتخابات المجلس الأول عام 1974، سوى بعض التعديلات التى وسعت من قاعدة تمثيل ما عرف بالقوى الحديثة. مجلس الشعب الثالث 1978 1980: جاءت انتخابات مجلس الشعب الثالث بعد المصالحة الوطنية ودخول أحزاب المصالحة فى تطور سياسى مهم بمشاركة أحزاب المعارضة, فتم حله بعد عامين من انتخاب أعضائه. مجلس الشعب الرابع 1980 1981: شاب مجلس الشعب الرابع النزوع إلى معارضة حكومة مايو من بعض التيارات داخل المجلس، مما شكل خطراً يتهدد النظام.. لم يدم مجلس الشعب الرابع طويلاً، فبعد فترة قصيرة تم حله. مجلس الشعب الخامس 1982 1985: لم تختلف وضعية مجلس الشعب الخامس عن المجالس السابقة من حيث القوانين المنظمة للعملية الانتخابية فى الدوائر الجغرافية ومشاركة القوى التقليدية ووجهاء الإدارات الأهلية، فقد سعى نظام مايو فى فترة هذا المجلس إلى محاولات للإصلاح الداخلى، فى الوقت الذى تخللت فيه الأعمدة الرئيسية للدول، المتاعب الاقتصادية والتوتر السياسى على مستوى المعارضة والشارع، شكلت انتخابات 1986 نقطة مفصلية فى كل من تاريخ الانتخابات النيابية فى السودان، والتحولات السياسية التى أعقبت حل الجمعية التأسيسية عام 1989 نتيجة الانقلاب العسكرى الذى نفذه ما عرف بثورة الإنقاذ الوطنى. فى هذه المرحلة الانتخابية من تاريخ السودان السياسى تراكمت التجربة الانتخابية بعد انتخابات 53، 58، 65، 68 بغض النظر عن الأثر السياسى والاقتصادى والتنموى للعملية الانتخابية على مستقبل السودان، لم تختلف دورة الانتخابات التى أعقبت حكومة مايو عن سابقتها من حيث التسلسل التاريخى لدورة الأنظمة العسكرية والديمقراطية، فانتفاضة أبريل 1985 أتت بحكومة انتقالية مكونة من مجلسين عسكرى ومدنى «مجلس الوزراء» انتقاليين، فالتماثل فى تدرج أيلولة السلطة إلى الشعب عبر الانتخابات تكرر طوال التاريخ السياسى والنيابى فى السودان، كما هو الشأن عقب ثورة أكتوبر 1964 التى أفضت إلى انتخابات الجمعية التأسيسية 1965. نجد أن آخر انتخابات ديمقراطية 1986 جاءت بعد انهيار نظام مايو 1969 1985 بعد مضى 16 عاماً فى السلطة بنظام الحزب الواحد..ويستمر التحليل.