أعتقد أنه قد آن الأوان لأن يصل السودان إلى نقطة الخلاص ببناء سياسى حزبى معبر عن جماهيره العريضة، وأن ينهى بذلك الدائرة الخبيثة التى سادت حياته منذ الاستقلال فى أول يناير 1956 حتى الآن. فهذه الدائرة أدت إلى عثرات أمام تقدم البلاد وإلى إحباط لطموحات السودانيين والسودانيات. أكثر من ذلك فإن هذه الدائرة قد صنعت مناخاً ملتبسا تداخلت فيه المفاهيم والأهداف، وبإطلالة سريعة فإنه عندما تحقق الاستقلال لم يستمر الحكم المدنى سوى عامين إذ تحرك قائد الجيش اللواء إبراهيم عبود واستولى على السلطة وكان ذلك بتحريض واتفاق مع قوى سياسية حزبية غير مشاركة فى الحكم السابق وبعد ست سنوات، ونظراً لسلبيات عانت منها الجماهير فقد تحرك الشعب فيما عرف بثورة أكتوبر وخلع الحكم العسكرى وتولت الأحزاب الحكم فى ائتلاف مدنى لم يستمر أكثر من خمس سنوات إذ تحرك العقيد جعفر نميرى مع مجموعة من الضباط للإطاحة بالنظام الحاكم وتولى السلطة وكان تحركه أيضا بتحريض واتفاق مع بعض القوى السياسية. واستمر نميرى فى الحكم ستة عشر عاما حتى قامت ضده مظاهرات شعبية بسبب ارتفاع الأسعار والضائقة الاقتصادية، الأمر الذى أدى إلى أن تحرك اللواء عبدالرحمن سوار الذهب وسيطر على البلاد خشية من الانهيار وأدار شئون البلاد لمدة عام واحد انتهت بالانتخابات البرلمانية وتشكيل حكومة حزبية إلى أن نجحت مجموعة يقودها العميد عمر البشير وأطاحت بالحكم المدنى وتولت السلطة . وكان هذا التحرك مدفوعا من قوى حزبية وسياسية، منها الجبهة القومية الإسلامية حتى أطيح بالدكتور حسن الترابى زعيم الجبهة الذى كان يدير الحكم من وراء الستار. وبعد ذلك بدا أن الحكم سينفتح على الآخرين ولكنه دخل فى صراعات وانشقاقات على حساب مصالح البلاد وانهارت الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتراجعت سمعة السودان فتحركت الجماهير ولم يكن أمام القوات المسلحة السودانية سوى أن تقوم بواجبها الوطنى فتنهى هذا العبث وتتولى السلطة مؤقتا إلى أن تعود الحياة المدنية للبلاد. وهنا فإننا نؤيد أن يستمر المجلس العسكرى المؤقت لمدة عامين وليس عاما واحدا حتى يتمكن من تهيئة المناخ وإعطاء الفرصة لبناء سياسى حزبى معاصر لا يعتمد على السلطة الدينية الطائفية ولا الأبوية القبلية ولا الجهوية المغلقة، وإنما على تعميق الهوية الوطنية السودانية وترسيخ الانتماء العربى والبعد الإفريقى والمصالح العليا للبلاد كيلا تكون فى السودان أزمة هوية. لمزيد من مقالات محمود مراد