بصراحة لست أفهم أن يصل الشطط بفصيل سياسي إلي حد المناداة بإسقاط الرئيس الفائز بالأغلبية بعد تسلمه الحكم, كأن الانتخابات لم تحدث وكأن الرئيس لم يفز بأغلبية أصوات الناخبين. وكأن إرادة الشعب لم تقرر من يحكم البلاد لمدة رئاسية, وكأن حق الشعب في اختبار كفاءة الرئيس الذي اختاره والحكم علي صلاحية سياساته أثناء هذه المدة الرئاسية أمر لا وجود له! إنني أطالب المعارضين للرئيس المنتخب بأن يراعوا أصول المعارضة الديمقراطية بالإعلان عن اختلافهم مع سياسات الرئيس وطرح البدائل للسياسات التي يتبعها, وليس أن يعلنوا عن نيتهم الإطاحة بالرئيس وإنهاء حكمه الذي لم يكمل شهرين بعد.. فهذا هو بالضبط نوع من الاستبداد والديكتاتورية التي يمكن تسميتها ديكتاتورية المهزومين, وهي ديكتاتورية تدفع الحاكم إلي مقابلتها بوسائل مشابهة لما تتبعه, وبالتالي تضرب أملنا في إرساء تجربة ديمقراطية مصرية راسخة. ومما يزيد الدهشة أن هذا يحدث عندما ينفرج المسرح السياسي المصري عن مشهد مثل ذلك الذي شاهدناه خلال الأيام القليلة الماضية.. وكان علينا الاحتفاء بطابع الدولة المدنية الديمقراطية الوطنية. كان يجب أن يكون التركيز علي قيم الديمقراطية وضرورة احترامها في إدارة الخلافات السياسية وممارسة المعارضة للرئيس المنتخب من ناحية وممارسة الخلاف الديمقراطي من جانب الرئيس تجاه المعارضة من ناحية أخري. علي أية حال القصة لم تكتمل بعد, وما زالت مصر حبلي بتطورات كثيرة, ولكنها في اللحظة الراهنة جعلت السلطة السياسية مدنية خالصة, وبقي بعد ذلك ماذا سوف يفعل المصريون بها ؟! السؤال الضروري هنا: عما إذا كان بإمكان الأحزاب الإسلامية التي صعدت إلي صدارة المشهد السياسي أن تحافظ علي هذا الموقع الذي بلغته, وإلي أي مدي؟! وتزداد أهمية السؤال في ضوء التركة الثقيلة الصعبة الموروثة عن النظام الساقط, وفي ظل ثورة التوقعات التي تجتاح البلاد, وتجعل الكثير من فئات وشرائح المجتمع بانتظار حلول سريعة بل فورية لمشاكلها التي تستعصي علي المعالجة في مدي زمني قصير وتحتاج إلي سنوات طويلة وجهود هائلة, وليس هناك ما يضمن استعداد من ينتظرون نتائجها للتحلي بشيء من الصبر. فاللعبة, إذن, لم تنته والكرة لا تزال في الملعب, والشعوب التي تحررت من القمع والقهر صارت في قلب هذه اللعبة وباتت طرفا رئيسيا في المعادلة السياسية والاجتماعية الجديدة, الأمر الذي يوجد ضغوطا هائلة ومتزايدة علي نحو يجعل العمل من أجل حل المشاكل وتحقيق إنجازات وتلبية مطالب هذه الشعوب, أكثر صعوبة! [email protected] المزيد من أعمدة محمود المناوى