هناك دول تدعو شعوبها إلي الانتخابات لتعرف رأيهم وتحتكم إليه في اختيار حكامها واتخاذ قراراتها السياسية في إدارة شؤونها, وهناك دول تدعو شعوبها إلي الانتخابات لتسخر منهم. وتؤكد لهم مدي احتقار رأيهم مهما كان, ومدي استخفافها به.. في الدول الأولي يعتبر رأي الناخب هو الأساس الذي يستلهم منه الحاكم قراره, وفي الدول الثانية لا يساوي رأي الناخب أكثر من بصمة يستخدمها الحاكم للحصول علي الموافقة العمياء علي قراراته, أما إذا صادف و أن جاءت هذه القرارات علي غير ما يشتهي الحاكم, فأسهل الحلول يكون عادة ب إلغاء الناخب, كأسرع وسيلة لتغيير صوته. لقد سقط النظام السابق في مصر, قبل أن يتبلور مشروع التغيير, وهو المشروع الذي تتنازعه قوي شبه حديثة لا تملك القاعدة الشعبية الضرورية لتثبيت مشروعيتها, وقوي تقليدية وإسلامية محافظة لم تختبر الحكم والتكيف مع ضرورات الدولة الحديثة. لا شئ يكشف عمق البؤس السياسي أكثر من أن يصبح بقاء الحكومة نصرا.. مجرد البقاء, ولو من غير قدرة علي العمل. اللعبة مكررة: قانون الإنتخاب يقرر سلفا نصف المعركة الإنتخابية, ويبقي للمال والعصبيات والأدوار الخارجية تقرير النصف الثاني. يبقي حكم القضاء الإداري بوصفه للمادة 28 بأنها تطرف تشريعي وردة إلي الإستبداد يحمل دلالات مهمة وإشارات خاصة. ليس من المعروف سلفا ما إذا كان الصراع علي الإنتخابات الرئاسية سيذهب الي جحيم التصعيد, أو إلي نعيم الحل السياسي والهدوء والاستقرار. جلاء الحقائق يساعد علي وضوح الرؤية, ويعزز الإتجاه نحو الحل السياسي.. لذا نحن ضد مناطحة اللجنة العليا للإنتخابات الرئاسية الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بشأن قانون العزل السياسي, فيما يخص بطلان قرار اللجنة العليا الرئاسية إحالة قانون العزل السياسي للمحكمة الدستورية للفصل في مدي دستوريته. في النهاية نستطيع القول وبدون تجن علي الحقائق أنه لم يعد هناك قبول عام لفكرة أن هناك حساب لمستقبل البلد وتطوره الديمقراطي وإصلاح نظامه, بل أصبح اليقين العام أن الحساب لمصالح الزعماء وحراس الأزمة في النظام.. لذا كان سؤال المستقبل المهم هو: هل نبقي أسري جدران الأزمة والمستفيدين منها ام نفتح ثغرة في الجدران ولو من أجل نسمة جديدة في البلد ؟ الإمتحان صعب.. لكنه ضروري!! [email protected] المزيد من أعمدة محمود المناوى