طوال قرن وثمانية وستين عاماً ظلت طابية أم قبيبة صامدة فى وجه الزمان وشاهدة على حقبة مهمة فى تاريخ المدينة ، تنتقل ملكيتها بين جهة وأخرى إلى أن انتهى بها المطاف فى حوزة وزارة الآثار، والتى أصبح يقع على عاتقها وضع حد للإهمال والتعديات التى تعرضت لها خلال السنوات الأخيرة. ويقول محمد متولى مدير قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية فى الإسكندرية والساحل الشمالى أن إدارة التسجيل الأثرى وافقت فى منتصف شهر فبراير الماضى على تسجيل الطابية الواقعة فى منطقة الورديان غرب الإسكندرية فى عداد الآثار خاصة أن هذه الطابية شُيدت فى عهد محمد على باشا خلال الفترة من 1805 إلى 1845، وتعد الحصن الأثرى الأكبر فى مصرحيث تمتد على مساحة ثلاثة عشر فدانًا وتفوق مساحة قلعة قايتباى بثلاث مرات، وقد أقيمت فوق مدافن خاصة بالعصر البطلمى والأجزاء المتبقية منها مسجلة بالآثار المصرية باسم مقابر الورديان. ويوضح «متولى» أن الطابية تتكون من ثلاثة طوابق ولها خمس واجهات، وتعد الواجهة الشرقية هى الواجهة الرئيسية ويتوسطها المدخل ويحيط بها خندق كبير يُعد أكبر وأعمق خندق أثرى تم حفره وظل باقيا حتى الآن فى مصر. ويشير «متولى» إلى أنه عقب انتهاء حكم محمد على باشا ظلت الطابية تستخدم كحصن حربى يعسكر به الجنود مع مرور الزمن، إلى أن تم إخلاؤها مؤخرًا وهو ما دفع وزارة الآثار إلى مخاطبة الجهات المختصة لضم الطابية إلى عداد الآثار لتجاوز عمرها مائة عام وتفردها بتاريخها كحصن حربي. ويؤكد «متولى» إن الطابية حالتها الإنشائية جيدة ولا تستدعى القيام بأعمال ترميم، ولكن الموقع العام يحتاج إلى تنسيق وإزالة التعديات والمخلفات التى تم إلقاؤها فى محيطها، مشيرًا إلى أنه يتم العمل مع الجهات الأمنية والتنفيذية لإزالة التعديات ووضع نقطة شرطة لإحكام السيطرة عليها، وبحث إمكانية فتح أبوابها أمام الزوار فى مرحلة لاحقة. ومن جانبه، يقول الدكتور ياسر عارف، باحث فى مركز دراسات الإسكندرية وحضارة البحر المتوسط التابع لمكتبة الإسكندرية والأستاذ فى قسم الهندسة المعمارية جامعة المنوفية، إن الطابية جزء من العمارة الدفاعية التى تميزت بها حقبة محمد على، نظرًا لأن البحر الأبيض المتوسط كان دائما مكانًا للتوترات والصراعات، حيث شكلت هذه العمارة عنصرًا مهما فى التخطيط للمدن الساحلية. ويوضح «عارف» إن محمد على كلف المهندس الفرنسى جاليس بك بتحصين المدينة فشيد ما يقرب من ستة عشر حصنا «طابية»، وارتفع العدد بعد ذلك إلى خمسة وعشرين حصنا فى نهاية عهد محمد علي، بالإضافة إلى ذلك أنشأ سلطة إدارية مسئولة عن المبانى الدفاعية والحصون التى كانت تسمى «إدارة الاستحكامات» أو قسم التحصين، وقامت بتوظيف مهندسين أجانب ومصريين. ويضيف «عارف» ان المبانى الدفاعية كانت فى موقع استراتيجى فى نقاط بارزة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، للدفاع عن المدينة على نحو فعال لأن التهديدات كانت متوقعة من البحر، والبعض الآخر كان يقع على مواقع جبلية داخل المدينة لتوفر رؤية واضحة لمراقبة الخطر القادم من الجهة المقابلة. ويشير «عارف» إلى أن العمارة الدفاعية فى الإسكندرية تتكون من جدران تحيط بالمدينة وأبراج للمراقبة، بالإضافة إلى الحصون «الطوابى» التى كانت تتخذ أشكالًا هندسية، وبوابة تؤدى إلى فناء، مضيفا أنه مع تطور التروس الحربية الجديدة منذ بداية القرن العشرين، لم تعد المبانى الدفاعية التقليدية فعالة. ويتابع: وفى ظل النمو السكانى السريع شكلت هذه المبانى عقبة أمام تطوير المدينة، ولذلك تم هدم بعضها، فيما خضع البعض الأخر لإدارة قوات خفر السواحل المصرية مثل طوابى أبو قير والتوفيقية والعجمى، وتم تحويل قلعتى قايتباى وكوم الناضورة إلى معالم سياحية، وأهمل عدد آخر من بينها «طابية الدخيلة» و«أم قبيبة». ويؤكد «عارف» ضرورة المحافظة على هذه المبانى ذات الأهمية الخاصة والتى تحكى تاريخ المدينة.