انتصر المصريون بوصفهم أمة مشروطة بتاريخها فى تعزيز مفهوم الاستقلال الوطنى المصري، من خلال ممارستهم لاستحقاقهم الانتخابى عام 2018، لاختيار رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى لفترة ثانية، وعلينا أن ندقق فى دلالة ذلك الانتصار الذى تم فى مواجهة محاولات للاستقطاب، تعددت مؤامراتها الخفية والمعلنة التى استهدفت إجهاض الانتصار وإحباطه، وتقويض جوهره قسرًا واستتباعًا، حيث اضطلعت دول، ومعها جماعة الإخوان الإرهابية، وأيضًا عملاؤهم، بممارسة الاستيلاء على ما هو خاص ويملكه المصريون، ولا يحق لغيرهم أن يدعيه، انطلاقًا من أن الحرية تتبدى فى استقلالية الإرادة، لكن المؤامرات الخفية والمعلنة أصرت على أنها هى الآتية بما لم يستطع أن يأتى به غيرها، أى بفرض إرادتها على وعى المصريين. ترى كيف يمكن للوعى أن يتجه إلى نحو ما ليس هو؟ لا شك أنها أطياف التصورات المقلوبة التى تدعى اقتدارها على أن تهز كل مستقر دون أن تمسك بها يد، أو تراها عين؛ بل أن تحيك الغرم وتفرضه بوصفه الغنم، فى حين أن وجهة النظر المنطقية المحضة، أكدتها المعرفة منذ القدم أن الحصول على شخص، ليس كالحصول على شيء، إذ الشيء له ثمن، فى حين أن الشخص قيمة؛ لذا فإن ما يحكم الشخص على الصعيد العملى هو مبدأ الاستقلال الذاتي، أى إنه لا يتلقى أوامر إلا من ذاته. ولأن المصريين خلال أحداث 30/6 قد استجابوا لدعوة المشير عبد الفتاح السيسى عقلاً وواقعًا، حيث خرج إلى شوارع مصر ثلاثون مليون مصري، بوصفهم الحاضر الرقابى لوطنهم والضامن لحمايته؛ ردعًا لاستبداد جماعة الإخوان، وصناع دهاليزهم، وكشفًا لزيف وضلال ثنائية الباطن والظاهر، كقناع عابث يحجب ما يغايره، فزلزل المصريون بخروجهم وجود تلك الجماعة، وبددوا حلم سيطرتها، وأصبح إقصاؤها حكمًا معياريًا يؤكد انهيارها. ثم استطاع المصريون استرداد وطنهم ومعاودة النهوض وممارسة السياسة كمعايير لمبادئ المدنية، وتداول السلطات بوصفها خيارات الكافة وليست حكم الأقلية، ولا شك أن انتصار المصريين يعنى انتصار الاقتدار الإنساني، والانفتاح الحتمى على الشرط الإنساني، الذى يحقق وجود الدولة المدنية المنتجة للمعرفة. ولأن توأم المتآمرين وجوهرهم هو التحريف والكذب؛ لذا فإنهم مارسوا طرح ألاعيب الإيهام الكاذب بوصفه الواقع الفعلى الذى أصاب المصريين بعد أحداث 30/ 6، إذ راحوا يرددون عبر منابرهم، أن جاهزية المصريين قد تفككت وأيضًا قد طمس توافقهم واختفي، وكأن المصريين يعانون من وباء «ذاتية التشرذم» الذى يعنى فرط التبعثر، والسقوط إلى ما دون التجزؤ والعزلة معا، وقد عمد هؤلاء المتآمرون الذين يعيشون على الوهم الضال والمضلل إلى قلب الأوضاع؛ والسعى مع أعوانهم إلى فرض تلك التصورات المتوهمة على المصريين، بطرح مجموعة من الأكاذيب التى تنتج تشتتًا يستهدف خرق شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث تروجها وسائل الإعلام التابعة للمتآمرين فى قطر وتركيا، لتبرز أزمة تعجيزية يواجهها المصريون، ويجرى تلقين هذه الأوهام وضخها وتسويقها بسلطان التكاذب الجماعي، بواسطة مختلف طوائف المحرفين والمتلاعبين العملاء، حتى تتم قولبة الرأى العام فى الداخل والخارج. ترى أليس ذلك هو رهان المتآمرين على حدوث ما لم؟ دقت ساعة الحقيقة، عندما تمت الانتخابات عام 2018، وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي، فى انتخابات رئاسة الجمهورية، بحصوله على ( واحد وعشرين مليونًا و835 ألفًا و387 صوتًا، بنسبة 97٫08 %)، حيث كان عدد المشاركين (أربعة وعشرين مليونًا و 254 ألفًا و152 صوتًا)، وبلغ عدد الأصوات الباطلة (مليونًا وسبعمئة وثلاثة وستين ألفًا وثلاثمائة وواحد وثلاثين صوتًا بنسبة 71٫72%) ، وهذه الأصوات الباطلة صناعة جماعة الإخوان الإرهابية وأمثالها، من يستهدفون أن يفسدوا للوطن كل قضية، بالإضافة إلى أصحاب الهويات الفردية المتقاطعة مع التراسف المجتمعي، إذ هم لا يؤمنون بالتوافق من أجل الوطن، وهناك أيضًا بعض الناخبين المؤيدين لقضايا الوطن، لكنهم يفسدون أصواتهم بتسجيل مشاعرهم على ورقة الانتخاب بالمخالفة لقواعد التصويت. وقد تجلت هذه الأصوات بأعدادها ودلالاتها بأنه ليس ثمة تبعثر فى أصوات الناخبين أو تشرزم ذاتي؛ بل ولا تشكل تفتتتًا اجتماعيًا يؤدى إلى تداعيات سلبية. وقد أجرى العالم الأمريكى «أرند ليبهارت» فى كتابه «أنماط الديمقراطيات» الصادر عام2012، مقارنة لمدى التباين الكبير فى المشاركة الانتخابية من دولة إلى أخري، خلال الفترة من 1981 إلى 2010، إذ تتبدى الدول الأعلى إقبالاً للمصوتين هي: مالطا(95%)، والأوروجواى (94٫5%)، ولوكسمبورج (88٫5 %)، أما الدول الأدنى تصويتًا فهى سويسرا (3٫83%)، وجامايكا (50٫60%)، والولايات المتحدة (3٫05%)، ويفسر المؤلف ذلك بأن الإقبال يتأثر بوجود التصويت الإلزامى أو غيابه، حيث من الدول الثلاث الأعلى إقبالاً على التصويت: الأوروجواي، وأيضًا لوكسمبورج، لأن لديها قوانين ملزمة للتصويت مع وجود عقوبات، عادة ما تكون غرامات مالية متواضعة وسارية التنفيذ. إن مؤشرات ونسب الأصوات الإيجابية المشاركة فى الانتخابات، وأيضًا التى حصل عليها الرئيس عبد الفتاح السيسى قد انبثقت من الإدراك العام للمجتمع المصرى بقواه المختلفة، الذى يتابع إنجازاته المتعددة التى تعد توجهات جديدة وحقيقية غيرت خرائط المجتمع المصرى الجغرافية والبشرية، طرقًا، وأنفاقًا، ومدنًا، ومصادر طاقة، ومعامل تحلية المياه، ومصانع متعددة ومتنوعة، ومزارع سمكية، وصوبًا، بالإضافة إلى بناء العاصمة الإدارية الجديدة، و14 مدينة أخرى وغيرها، وتكشف هذه المشروعات الاهتمام المتجدد بالأدوات والوسائل المطورة، وتؤكد الالتزام الرفيع المستوى فى أدائها، كما أن الاهتمام بمكانة المرأة قد فتح أبواب الحراك الاجتماعى لنموذج تشاركى مترابط العناصر يرسخ لمكافحة اللامساواة. ولأن رهان مصر على شبابها؛ لذا تم إنشاء الأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب فتحًا حقيقيًا لتفعيل استحقاقاتهم، والارتقاء بقدراتهم ومهاراتهم، وإعداد كوادر سياسية وإدارية، وتشجيع الفن والإبداع والارتقاء بالفكر والذوق العام، ونشر الوعى الثقافى والاجتماعى والدينى والسياسى بين قطاعات الشباب، ومواجهة ظاهرة أطفال الشوارع وتعليمهم وتأهيلهم للعمل، والاهتمام بذوى الاحتياجات الخاصة لدمجهم فى المجتمع، انطلاقًا من الفضاء العام يجب أن يكون صندوقًا رنانًا لكل المشاكل الاجتماعية. لمزيد من مقالات د. فوزى فهمى