هذا الترام - الترماى كما كنا نسميه - بقى صامدا مائة سنة إلا قليلا الى أن انسحب تدريجيا من الشوارع أمام منافسة وسائل المواصلات الأسرع، وأحيل نهائيا الى التقاعد ( بدأ الخدمة في مثل هذا الشهر عام 1896 ، واختفى فى تسعينيات القرن الماضى). مازلت أذكر ترام رقم 13 ورحلته شديدة البطء، أيام الصبا، مخترقا شارع الجيش من أوله فى العباسية الى آخر الخط فى ميدان العتبة الخضراء. وبتذكرة يتراوح ثمنها بين 6 و4 مليمات للدرجتين الأولى والثانية، كان بإمكانك إذا وجدت مقعدا يطل على الشارع ، قبل سنوات الزحام، أن تتأمل على مدى ساعة وأكثر حياة كاملة بكل تفاصيلها : وجوها وأصواتا وتدافع بشر وباعة ومارة، ومنازل وأناسا كانت الفرجة من النوافذ هى تسليتهم الوحيدة، وحكايات خلف الجدران لايعرف أحد كيف انتهت. ثم تتوقف فى محطات بلا عدد لينزل من ينزل و يصعد من يصعد. وفى كل مرة يطلق المحصل صفارته الشهيرة، ومعها النداء الذى يكرره بلا ملل « تذاكر يا افندية»، بينما يلاحق بحماس لا يهدأ كل من يحاول التهرب فى آخر العربة، أو يستجيب على مضض لمن يرجوه أن يتركه واقفا على السلم حتى «المحطة الجاية». الآن لم يعد باقيا من حكاية الترام سوى آثار لا تكاد ترى للشريط الحديدى الذى كان يربط أحياء القاهرة القديمة ، وذكرى أصداء الرنين المميز لجرس الترام الذى كان السائق يضغط عليه بقدمه لينبه من يسد عليه الطريق ، وصور بالأبيض والأسود من زمن لم يعد موجودا .... أيام !