نَأت الأماكنُ كلُّها.. اقتربَ الشتاتُ من الشتاتِ مُرقرِقاً وجَعَا انطفأت سمواتٌ تهادَت تحت زرقتِها كخفقةِ عاشقٍ.. ..مرَّ الحنينُ عليهِ هفا لطَيفِ غزالةٍ ركضت يراوِدُهَا المدَى عن نفسهِ كيفَ المدَى اتَّسَعَا بغيابها مرَّ الهديلُ على الهواءِ مُحمَّلاً بالحزنِ.. يحملُ بعضَ ما تَرَكَت عليهِ من انتثارِ العطرِ عند وداعهِا.. بعضَ الغناءِ على يديها باكياً رَجْعَا لا شيءَ يحمِلُهُ إلى أيِّ الجهاتِ أمام هذا الليلِ بعد غيابِها.. لا الفندقُ السريُّ.. لا المقهى الشِّتَائيُّ الذي أخفى مساءً قُبلَةَ الحُبِّ التي شردت بهِ.. فوق اخضرارِ حُقولِ عينيها.. ولا الدربُ الذي اشتجرت به كَفّاهُما تحتَ المساءِ وخَالَهُ دَمَعَا في جنحِ هذا الليلِ يوجعهُ التذكُّرُ كُلُّ ما تركَ الشرودُ لوعيهِ فستانُها الليلي.. عطرُ صنوبرِ الغاباتِ فوقَ حريرها.. رفُّ الكمانِ على تنهُّدِهَا وقد أنَّت قطيفتُها شهيقُ بياضِها إن ينتشي والكون قد هَجَعا مرَّ المساءُ على رؤاهُ فأوقظَ الذِّكرَى من النِّسيانِ لم تُبقِ الأغاني والوعودُ وقبلةُ الليلِ الأخيرةُ غيرَ هذا الحزن منفرداً أمام الليلِ لا شيءَ في عينيهِ غير العابرين على الطريقِ وطيفها ملءُ التذكُّرِ حسرتانِ وخيبتانِ وما تبقَّى في سهول الذكرياتِ من انتحابِ فراشةٍ جزَعا.. وقتٌ يُشرَّدُ في براري الوقت يفتحُ في المدى جُرحاً من الأزهارِ يصحو من تنهُّدِ عاشقٍ.. ورفيفِ أغنيةٍ تمُرُّ كما ملامحها البعيدة في رُؤاهُ .. بَكَى الرفيفُ وأنَّ ما سُمِعَا والذِّكرياتُ جميعُها نثرُ التوجُّع في مَنَافي الرُّوحِ.. مرثيةُ الهديلِ وآخرُ الحُلمِ الطويلِ.. تمرُ.. تحملهُ إلى مَوتٍ شفيفٍ مثل أغنيةٍ يسلَّمُها الكمانُ إلى الصَدَى.. مثلَ انتحارِ فَرَاشةٍ في الضوءِ بَعثرَهَا الهَواءُ وليس من ينعى.