يعيش غالبية الشعب المصري الآن حالة من القلق الشديد بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية الأولي; فقد أظهرت هذه النتائج أننا وقعنا بين مطرقة الإخوان المسلمين وسندان رموز النظام السابق وأصبح الخيار بينهما. وهذا الخيار يشكل بالنسبة لأغلبية الشعب المصري خيارا صعبا لم يكن يتصوروه ولم يتوقعوه!! الحقيقة التي لاشك فيها أن الخوف كل الخوف لدي الجميع أن تتحقق رؤية فيلسوف الثورات السلمية جين شارب الذي ألهم شباب ثورتنا ثورة25 ينايربمؤلفه الشهير من الديكتاتورية إلي الديموقراطية والذي أحسن د.محمد الشرقاوي صنعا بنقله إلي اللغة العربية حين يقول: إن هناك خطرا محدقا يتمثل في أن العديد من الأمم أثناء هذه التغيرات الأساسيةالسريعة( يقصدالمصاحبة للثورات) تأخذ اتجاها معاكسا لتقع تحت نير أنظمة ديكتاتورية جديدة, حيث تسعي الزمر العسكرية وأصحاب المطامع والمسئولون المنتخبون والأحزاب السياسية المذهبية باستمرار من أجل أن تفرض إرادتها وتستمر ظاهرة انتهاك حقوق الإنسان والحقوق السياسية للشعوب. إن محاولة فرض الإرادة التي نتعرض لها الآن من قبل الإخوان من جهة ومن قبل العسكريين من جهة أخري إنما يقودنا حتما إما إلي ديكتاتورية الإخوان بزعامة المرشد أو إلي ديكتاتورية عسكرية جديدة بزعامة الفريق شفيق خاصة أننا لم نضع بعد دستور الدولة الذي كان سيمثل الضمان الوحيد لعدم عودة الديكتاتورية من جديد. علي ذلك فإن علي طرفي المعادلة الحالية اللذين سيخوضان انتخابات الإعادة لرئاسة الجمهورية أن يقدما للجماهير المصرية بحق الضمان لقيام دولة مدنية ديمقراطية ضد التمييز والاحتكار, دولة ينشد حاكمها العدل والمساواة بين المواطنين دون وصاية ودون تجبر, دولة يكون الحاكم فيها هو الدستور والقانون الذي يطبق علي الجميع حاكما ومحكومين, دولة يكون الدين فيها بين المرء وربه والوطن يكون فيه للجميع لافرق بين مسلم ومسيحي, إن الدولة المصرية منذ فجر تاريخها دولة مدنية عظيمة بنت حضارتها منذ العصر الفرعوني حتي الآن علي العيش المشترك بين كل الطوائف وكل الديانات, ولم يختلف ذلك في العصر السكندري والمسيحي حتي العصر الإسلامي, وإلي الآن لم يتقاتل المصريون ولم يعرفوا التمييز وانما كانوا يمارسون شعائرهم الدينية أيا كانت ديانتهم في المعابد والكنائس والمساجد ويعيشون معا حياة مدنية محترمة أيا كان حكامها سواء كانوا يونانا أو رومانا أو مسلمين. إن المرجعية الدينية التي يتحدث عنها الإخوان والقول العلني بتطبيق الشريعة الإسلامية علي الدولة انما يعني أننا لم نكن منذ دخول الإسلام إلي مصر وحتي الآن لم نكن دولة اسلامية, إنهم يتناسون أن مصر بنص دستورها دولة اسلامية تفخربتدينها المعتدل ووسطيتها العظيمة التي عبر عنها الأزهر الشريف بعلمائه العظام, أولئك العلماء الذين نشروا الإسلام الوسطي في أرجاء المعمورة دون ادعاء ودون تفاخر, إن دولة الأزهر الشريف لايصح أن تتهم من قبل هذه التيارات التي تتنزي بالإسلام لأغراض سياسية بأنها لاتطبق الشريعة; فالمادة الثانية من الدستور تنص علي أن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع, إذن فما الداعي إلي تلك التصريحات التي أزعجت معظم المصريين مسلمين ومسيحيين!! وعلي الجانب الآخر, فإن علي الفريق شفيق أن يعلن صراحة أنه منحاز للشعب ولثورته وأن يتناسي خلفيته العسكرية تلك فهو رجل مؤهل تأهيلا عاليا وان خدمته خلفيته العسكرية في قيادة الدولة, ومن ثم فإن عليه أن يعلن أنه سيحكم بموجب دستور جديد لدولة قامت بها ثورة تنشد الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية, دولة لاتمييز فيها للجيش علي الشعب, دولة تريد أن تنهض علي أسس ديمقراطية لا استبداد فيها, إن ماقاله في تصريحاته الصحفية عقب إعلان نتائج الإنتخابات في مرحلتها الأولي ليس كافيا لطمأنة الجماهير المصرية إذ لايزال قبوله لرئاسة الوزارة أثناء قيام الثورة وانحيازه لمبارك يعني مسئوليته التاريخية عن مقتل الثوار في ميدان التحرير, إن عليه أن يتبرأ من انتسابه لهذا العهد المباركي الديكتاتوري ويعلن تبرؤه من الرأسمالية الوقحة التي استولت علي كل موارد الدولة وسخرتها لخدمة فئة ضالة استبدت بالشعب ونهبت ثرواته, إن عليه أن يتعهد بتحقيق العدالة الإجتماعية ورد الحقوق إلي أصحابها, عليه أن يتعهد بأنه سيرعي دولة القانون والعدالة وأنه سيتولي منصبه إذا فاز به خادما للشعب الذي اختاره ولم يأت لتسديد فواتير من ساندوه من زبانية الحزب الوطني المنحل. هنا أعلن تأييدي لتلك الوثيقة التي اتفقت عليها الأحزاب المدنية والتي تؤكد علي هذه المبادئ التي ينبغي أن يوقع عليها طرفا السباق الرئاسي حتي نطمئن أن أحدهما في حالة فوزه سيلتزم بالمبادئ الديمقراطية وبقيم الدولة المدنية التي ننشدها جميعا وإلا فالأفضل أن يقاطع المصريون هذه الإنتخابات التي ستقودنا في حالة عدم توقيع طرفيها علي هذه الوثيقة إلي طريق ديكتاتوري جديد لا نتمناه لأنفسنا مرة أخري, وإذا كان الطرفان المتنافسان في السباق الرئاسي لا يتمنيانه لمصر ولنا فليوقعا علي هذه الوثيقة التي تؤكد التزامهما بذلك طالما أننا لم نضع بعد دستورنا الدائم الذي كان سيمثل العقد الإجتماعي والسياسي الذي يحدد شكل دولتنا وأسسها المدنية واحترامها لحقوق الإنسان كاملة غير منقوصة وغير مهددة من أي طرف. المزيد من مقالات د. مصطفي النشار