أشعر باشمئزاز وغضب شديدين كلما سمعت أنباء فتنة طائفية تطل برأسها من هنا أو هناك، وأيا كان سببها أو المتسبب فيها، ومن هنا كان غضبي حينما علمت بخبر فتنة قرية الكرم التابعة لمركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا بسبب ما تردد عن علاقة عاطفية بين مسيحي ومسلمة، ثم قيام بعض الأهالي المسلمين بسحل أم الشاب المسيحي رغم أنها سيدة مسنة، وحتي لو أخطأ ابنها، فهو وحده المخطئ، ولا يمتد خطؤه علي أمه أو أبيه أو إخوته، وربما تكون الرواية المتعلقة بعلاقة الشاب المسيحي بالسيدة المسلمة كلها خاطئة، وشائعات سخيفة ليس لها أساس من الصحة، إلا أن الحماقة والتخلف دفعا بعض المجرمين والحمقي إلي ارتكاب جريمتهم البشعة في حق الأم، التي هي في كل الأحوال غير مذنبة ولا تتحمل وزر ابنها، حتي وإن كان هناك أصل لتلك الشائعة. قد يكون الأمر كله متعلقا بخلاف بين الزوجين المسلمين وأراد الزوج أن يغسل يديه من زوجته بالترويج لتلك الشائعة في إطار ما يحدث من مكائد بين الأزواج المصريين، فكل طرف للأسف الشديد لا يتورع عن إلصاق أبشع التهم بالطرف الآخر، وبدلا من الانفصال بالمعروف والحفاظ علي شعرة من المودة لأجل الأولاد، يذهب كل طرف إلي أبعد مدي في المكايدة وتلفيق التهم بالطرف الآخر، نتيجة غياب الوازع الأخلاقي والديني، والجمود والتخلف، والفراغ النفسي والذهني، والجهل والعدوانية. إثبات العلاقة غير الشرعية في الإسلام يكاد يكون مستحيلا لأنه لا يتحقق إلا بأربعة شهود يرونه رأي العين، وإلا فإنهم هم الجناة والمذنبون إذا أطلقوا شائعات غير صحيحة ولم يتحقق هذا الشرط في شهاداتهم، وفي تلك الحالة فإن العقاب يكون من نصيبهم طبقا لأحكام الشرع. جريمة المنيا جريمة فردية تحدث داخل أبناء الدين الواحد، وهي جريمة بدايتها ونهايتها جهل وتخلف، وعدم تطبيق رادع للقانون، وبطء تقاض مزعج جعل بعض الجناة يشعرون بأنهم يفلتون من العقاب. لقد عشت حياتي في قريتي وكان بيتنا القديم يجاوره بيت أحد الإخوة المسيحيين، وكان هناك «شباك» في الدور الثاني لمنزلنا يفتح علي باب الجار المسيحي، وكان هذا «الشباك» دائما يستخدم في تبادل الهدايا والأطعمة في المناسبات وتبادل الحوار بين الجدات والأمهات من الجانبين، ولم أعرف سببا لوجود هذا "الشباك" بهذا الشكل إلا وقت تجديد بيتنا وهدمه لإعادة بنائه من جديد، فجاء جارنا المسيحي ليتحدث مع أبي عن الحائط المشترك بيننا وبينهم، وأن هذا الحائط ملك لنا، وفي حال هدمه فإن منزل الجار المسيحي سوف يكون مكشوفا، ولم يستغرق الأمر سوي وقت الشاي، وانتهي بأن ترك أبي الحائط كما هو لجارنا دون مقابل أو مساومة. هكذا هم المصريون دائما في كل قري مصر ومدنها وطولها وعرضها حتي جاء من يحاول الصيد في الماء العكر، وتعكير صفو علاقة عنصري الأمة المصرية، وافتعال أزمات ناتجة عن الجهل والتخلف، وإضفاء صبغة عنصرية عليها، بعد أن أصبح هناك من يغذي تلك النيران الطائفية، في إطار مخططات أوسع وأشمل لضرب مصر واستقرارها، فلا نكاد نفرغ من أزمة حتي ندخل في أزمة أخري بغباء وجهل، إلا أن قوة البنيان المصري وقوة الدولة المصرية وسلامة الوعي العام للشعب المصري تجعلنا نقفز فوق تلك الأزمات، وتتحول إلي مجرد سحابة صيف لا أثر لها. حسنا فعل الرئيس عبدالفتاح السيسي حينما أصدر توجيهاته لجميع الأجهزة المعنية بالدولة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لحفظ النظام العام، وحماية الأرواح والممتلكات في إطار سيادة القانون، ومحاسبة المتسببين في هذه الأحداث وإحالتهم للسلطات القضائية المختصة، مشيرا إلي أن مثل هذه الوقائع المثيرة للأسف لا تعبر بأي حال من الأحوال عن طبائع وتقاليد الشعب العريقة الذي أسس الحضارة البشرية وحارب من أجل نشر السلام، فباتت وحدة المصريين وتوحدهم واصطفافهم الوطني نموذجا يحتذي به للعبقرية الوطنية وضمانا حقيقيا لبقاء الوطن. لابد من تطبيق رادع للقانون وقطع رءوس الفتنة وتوقيع أقصي العقوبات علي كل من تورط في تلك الجريمة، بدءا من إشعالها والمتسبب فيها، وانتهاء بكل من تورط فيها من أطراف الأزمة أو من خارجها، ومن داخل القرية أو من خارجها، فالتطبيق الرادع للقانون هو سياج الحماية لمصر والمصريين، وللأسف الشديد فإن المنظومة التشريعية تحتاج إلي إعادة نظر في أشياء كثيرة، حيث يعاني القانون في مصر عيوبا خطيرة أبرزها ما فيه من ثغرات وثقوب ينفذ منها الجناة في مثل تلك الجرائم وغيرها، وكذلك بطء التقاضي واستغراق القضية الواحدة العديد من السنوات، مما يجعل البعض للأسف الشديد يلجأ إلي محاولة أخذ ما يراه أنه حقه بيده، وكأننا تحولنا إلي غابة، وشريعة الغاب هي السائدة، وهذه هي الأزمة الحقيقية التي تواجه المجتمع المصري الآن، وإلا لما وجدنا جرائم الثأر مستمرة حتي الآن أو جرائم التعديات علي أملاك الدولة والمال العام أو أية أشكال أخري للجرائم والمخالفات وإنتهاك القانون. تفعيل دولة القانون وتغليظ العقوبات علي الجرائم التي تستحق ذلك هو الحل ليعود المجتمع المصري آمنا كما كان، ويعود المظهر الحضاري والانضباط للشارع وأماكن العمل بعد حالة الفوضي التي تفشت منذ فترة طويلة، إلا أنها باتت أكثر ضراوة من خمس سنوات مع قيام ثورة يناير 2016. أخيرا.. حكي لي أحد الأصدقاء الذي عاش فترة طويلة في أمريكا.. أن الشعب الأمريكي أكثر همجية من الشعب المصري، لكن الفرق بيننا وبينهم أن هناك قانونا يتم تطبيقه بصرامة علي الجميع، بدءا من مخالفة المرور وانتهاء بأكبر الجرائم، أما نحن فالأمر يحتاج إلي ثورة تشريعية وقانونية وأمنية، وهو ما ننتظره من الرئيس عبدالفتاح السيسي في إطار تدشينه الجمهورية الثالثة في مصر. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة